والسلام علم على الأمان، لأن العادة بين المتحاربين أن لا يسلم بعضهم على بعض، وكانت عادة الجاهلية إن سلموا لم يحاربوا.
وعلى هذا لا ينبغي للمسلم أن يغتاب من سلم عليه، ولا أن يتعرض لإيذائه، لأن مثل هذا الفعل مناقض لما أعطاه وأخبر به من الأمان.
وقيل المراد من السلام اسم الله تعالى، فيكون المعنى: الله حفيظ عليكم أو رقيب عليكم.
وقد وردت أحاديث بأن الجهاد أفضل الأعمال، ولا عمل يعدل الجهاد، وبأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وبأن أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله. وهذه تعارض حديث الباب الذي ينص على أن خير خصال الإسلام إطعام الطعام وإفشاء السلام، وقد أجيب عن هذا التعارض بالحمل على اختلاف حال السائلين أو السامعين، أو المقام، فحين الحث على الجهاد والترغيب فيه، أفاد أنه أفضل الأعمال، ولا عمل يعدله، وحين يخشى من السائل الإيذاء بيد أو لسان أرشده إلى أن كف الأذى خير الأعمال، وحين رأى من السائل أو السامعين تهاونا في شأن الصلاة أفاد بأنها أحب الأعمال، وحين أحس في السائل كبرا أو إمساكا أو انقباضا عن الناس أجابه بأن خير خصال الإسلام إطعام الطعام وإفشاء السلام، وهكذا.
فاختلاف جوابه صلى الله عليه وسلم مع اتحاد السؤال أو تشابهه إنما كان مراعاة لحال السائل أو السامع، وما رآه صلى الله عليه وسلم أنفع له وأخص به، فكأن الخيرية أمر نسبي، فقد يكون الأمر خيرا لفلان في وقت، وغيره خيرا منه في وقت آخر عند الشخص نفسه، ومرجع هذا الجواب إلى تقييد كل حديث بالحاضرين. فكأنه قال هنا: خير خصال الإسلام لكم في هذا الوقت إطعام الطعام وإفشاء السلام.
وهذا الجواب نفسه يصلح جوابا عن قول القائل: لم خص هاتين الخصلتين بالذكر من بين سائر خصال الإسلام وشعبه؟ .
فتقدير الظروف، ومراعاة مقتضى الحال هو الذي أدى إلى تخصيصهما بالذكر في هذا الوقت لمسيس الحاجة إليهما، فقد يكون وقت ذكرهما وقت جهد ومشقة وحاجة إلى تأليف القلوب، وتوثيق الصلات والمودة بين الناس.
ويؤكد هذا المعنى أنه صلى الله عليه وسلم حث عليهما أول ما دخل المدينة، فقد روى الترمذي من حديث عبد الله بن سلام قال: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت ممن جاءه، فلما تأملت وجهه، واشتبهته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
وأجيب عن هذا السؤال أيضا بأن مكارم الأخلاق نوعان: مالية فأشار إليها بإطعام الطعام، وبدنية فأشار إليها بتقرأ السلام.