(على من عرفت ومن لم تعرف) "من" موصولة، وعائد الصلة، مفعول "عرفت" محذوف.
-[فقه الحديث]-
قال السنوسي: الإطعام المرغب فيه هو ما كان لفائدة شرعية، من طلب ثواب الله جل وعلا (فلا يبالي حينئذ ما أعطى، ولا لمن أعطى) أو دفع شر عن نفسه وعرضه وماله.
أما ما لا فائدة فيه، أو كانت الفائدة غير شرعية، كقصد المباهاة، وتكثير الانتفاع والثناء الدنيوي، ونحو ذلك، فليس بمقصود من الحديث، بل ربما كان بعضه محرما، كالإطعام لبعض اللئام، من الظلمة والفساق، ممن يستعين بذلك على فساده، ويغريه على أموال الناس، وتبقى لهم سنة سيئة في أموال الناس على الدوام. اهـ.
فإن قيل: إنما يغرس الإطعام الود في نفس الكريم، أما اللئيم فقد يغريه الإطعام ويطمعه ويزيده لؤما، أجيب بأن الشأن والغالب في الإطعام أن يؤثر في المطعوم خضوعا للطاعم بل ذلة وانكسارا في بعض الأحيان، وقديما قيل. أطعم الفم تستح العين، وقيل: ما وضع أحد يده في صحفة غيره إلا ذل له.
وعلى ذلك فالإطعام يخفف منازعة اللئيم، ويقلل من أذاه، واللئيم الذي لا يتأثر بالطعام، لن يزيد شره بعد الأكل عنه قبله، وحينئذ فأجر الإطعام عند الله، وقد قيل:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
وأما إقراء السلام، فهو مما يزرع الود والمحبة في القلوب، وقد يكون في قلب المحبين أسى أو صد، أو إعراض فيزول بالتحية، وقد يكون في قلب العدو سوء ظن ومجافاة فينقلب بالتحية صديقا.
وظاهر الحديث "من عرفت ومن لم تعرف" يفيد العموم في كل الناس مؤمنهم وكافرهم، مستأمنهم وحربيهم، لأنه يدل على أن السلام لله تعالى لا لتوفية حق المعرفة.
وبهذا العموم أخذ بعضهم، وطلب السلام على الكافر ولو حربيا عند الاحتياج إلى ذلك لوعظ أو نحوه، لأنه أرجى لقبولهم الإسلام، وقد أمر الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام أن يتلطفا مع فرعون حيث قال: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} [طه: ٤٤].
وذهب جماعة إلى أن هذا العموم مخصوص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداء على كافر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لاتبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه" رواه البخاري.
وذهب بعضهم إلى أن العموم صدر أولا لمصلحة التأليف، ثم جاء النهي عن التسليم على الكافرين متأخرا، فنسخ عمومه.
ومعنى "السلام عليكم" إما الدعاء بالسلام على المسلم عليه، أي سلمك الله من الآفات دنيا وأخرى، وإما الخبر، أي سلمت مني، فإني مسالم لك لا محارب.