للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الإسناد الثاني ففيه محمد بن السائب الكلبي وهو ضعيف متفق على ضعفه ونسبته إلى الكذب، وأما الإسناد الثالث - وقد رواه ابن مردويه في تفسيره - فإسناده وسلسلته كلها ضعفاء. قال القاضي عياض: هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المتلقنون من الصحف كل صحيح وسقيم. اهـ وقال العيني: والأمر كذلك، فإن غالب هؤلاء مثل الطرقية والقصاص وليس عندهم تمييز، يخبطون خبط عشواء، ويمشون في ظلمة ظلماء، وكيف يقال مثل هذا والإجماع منعقد على عصمة النبي، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة ولو وقعت هذه لوجدت قريش على المسلمين بها الصولة، ولأقامت عليهم اليهود بها الحجة، كما علم من عادة المنافقين وعناد المشركين. اهـ.

وقال: وأما قول من قال: إن إبليس لعنه الله هو الذي قال: تلك الغرانيق العلى، الشفاعة منهم ترتجى، فظنوا أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قال ذلك، فهذا باطل باطل. وإذا كان لا يستطيع أن يتشبه به في النوم - كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديث الصحيح، وهو قوله "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي، ولا يتمثل بي فإذا كان لا يقدر على التشبه به في المنام من الرائي له، والنائم ليس في محل التكليف والضبط، فكيف يتشبه به في حالة استيقاظ من يسمع قراءته؟ هذا من المحال الذي لا يقبله قلب مؤمن، وأما قول من قال: إن إبليس أجرى ذلك على لسانه صلى الله عليه وسلم؛ وأنه اشتبه عليه ما ألقاه الشيطان بوحي الملك إليه فهذا ممتنع قطعًا في حقه صلى الله عليه وسلم خصوصًا فيما حقه البلاغ، وكيف يشتبه عليه مزج الذم بالمدح فقوله تعالى: {ألكم الذكر وله الأنثى} [النجم: ٢١]؟ ذم اللات والعزى ومناة. وادعاء الغرانيق العلى والشفاعة ترتجى مدح لها، فكيف يشتبه هذا المزج على أدنى العقلاء؟ . اهـ وقد تطرق المحدثون إلى بحث جانبي لهذه القصة: فأثاروا: كيف سجد الكفار وسمي فعلهم سجودًا وهم ليسوا أهلاً للطاعة، لأن الطاعة موقوفة على الإيمان؟ ثم كيف وهم غير متطهرين ولا متوضئين وشرط السجود الطهارة؟ وأجيب بأن فعلهم كان صورة سجود، ولم يكن سجودًا شرعيًا.

كما أثاروا أن ظاهر الروايات أن سورة النجم أول سجدة نزلت، حتى أفاد البخاري في رواية أن النجم أول سورة أنزلت فيها سجدة، كيف مع أن سورة "اقرأ" نزلت قبلها؟ وأجيب بأن الذي نزل قبلها صدر سورة اقرأ، وليس آخرها، أو أن النجم أول سورة فيها سجدة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أول سجدة تلاها جهرًا على المشركين. والله أعلم.

وبالرواية الرابعة استدل أبو حنيفة وغيره ممن يقول: لا قراءة على المأموم في الصلاة، سواء كانت سرية أو جهرية، ومذهب الشافعية أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم في الصلاة السرية، وكذا في الجهرية على أصح القولين، والجواب عن قول زيد بن ثابت هذا من وجهين: أحدهما أنه قد ثبت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم خلفي فلا تقرءوا إلا القرآن"، وغير ذلك من الأحاديث، وهي مقدمة على قول زيد وغيره، والثاني أن قول زيد

<<  <  ج: ص:  >  >>