للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا فرق في الصلاة بين الفريضة والنافلة من حيث مشروعية سجود التلاوة، وبه قال الشافعي وأحمد. وظاهر الرواية الأولى يفيد تعذر السجود عند الزحام، فإن حمل على أنه في غير صلاة - كما قيد في الرواية الثانية فواضح وإن شمل الصلاة توقف حكمه على حكم "سجود الصلاة عند الزحام، وقد قال ابن بطال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من لا يقدر على السجود على الأرض من الزحام في صلاة الفريضة يسجد على ظهر أخيه، وقال الكوفيون وأحمد: يومئ إيماء، وقال عطاء والزهري: يمسك عن السجود فإذا رفعوا سجد هو، وهو قول مالك وجميع أصحابه، وقال مالك: إن سجد على ظهر أخيه يعيد الصلاة، فعلى قول من أجاز السجود في صلاة الفريضة على ظهر أخيه فسجود التلاوة أولى بذلك، لأن السجود في الصلاة فرض بخلافه.

والذي تستريح إليه النفس أن سجود التلاوة له حكم صلاة النافلة فيؤدي بقدر المستطاع سجودًا على الأرض أو على ظهر أخيه أو إيماء والله أعلم.

والرواية الثالثة تشير إلى أن المسلمين والكافرين سجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورواية البخاري أصرح من روايتنا، ولفظها "عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس" كما روى البخاري عن الأسود عن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كفًا من حصى أو تراب، فرفعه إلى وجهه، وقال: يكفيني هذا. فلقد رأيته بعد قتل كافرًا.

وهذه الحادثة كانت بمكة حين قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين والمشركين سورة النجم، ولعل المشركين أو بعضهم ظنوه يمدح آلهتهم ويذكرها بخير حين قرأ {أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: ١٩، ٢٠] فسجدوا، وظلوا ساجدين حتى سمع المسلمون {فاسجدوا لله واعبدوا} فسجدوا. وقد ملئت كتب التفاسير بروايات فاسدة عن هذه القصة، منها ما رواه البزار في مسنده عن ابن عباس قال: فيما أحسب أشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة فقرأ سورة النجم حتى انتهى إلى {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فجرى على لسانه "تلك الغرانيق العلى. الشفاعة منهم ترتجى" قال: فسمع ذلك مشركو مكة، فسروا بذلك، فلما بلغ آخرها سجد وسجد معه المسلمون والمشركون.

فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته} [الحج: ٥٢] قال البزار: ولا نعلمه يروى بإسناد متصل يجوز ذكره. اهـ.

وقال المحققون من المحدثين: إن هذه القصة رويت من ثلاث طرق، ولا يحتج بطريق منها. أما الإسناد الأول عن ابن عباس [وهو الذي ذكرناه آنفًا] فإن الراوي شك فيه كما أخبر بذلك عن نفسه، فإما شك في رفعه فيكون موقوفًا أو في وصله فيكون مرسلاً، وكلاهما ليس بحجة، خصوصًا فيما فيه قدح في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل لو جزم الثقة برفعه ووصله حملناه على الغلط والوهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>