في الحديث مشروعية التسليم تسليمتين في آخر الصلاة، أما حكمهما وكيفيتهما ففي ذلك يقول النووي: مذهبنا أن التسليم فرض وركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا به، وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم [وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، وقالوا: إذا انصرف المصلي من صلاته بغير لفظ التسليم فصلاته باطلة].
وقال أبو حنيفة: لا يجب السلام، ولا هو من الصلاة، بل إذا قعد قدر التشهد، ثم خرج من الصلاة بما ينافيها من سلام أو كلام أو حدث أو قيام أو فعل أو غير ذلك أجزأه وتمت صلاته.
واحتج الجمهور بحديث "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" أخرجه الترمذي وابن ماجه، وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وقالوا: السلام أحد طرفي الصلاة، فوجب فيه نطق كالطرف الأول، كما استدلوا بمواظبة فعله صلى الله عليه وسلم، كما تدل عليه روايتنا الثانية، وقوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" وعند أبي داود والترمذي عن ابن مسعود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده: السلام عليكم ورحمة الله". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي مسلم عن جابر بن سمرة قال:"كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علام تؤمنون بأيديكم كأنهم أذناب خيل شمس، إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذيه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله"، واحتج لأبي حنيفة بحديث المسيء صلاته، وبحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد، وقال: "إذا قضيت هذا فقد تمت صلاته، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، وعن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أحدث وقد قعد في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته" وعن علي رضي الله عنه قال: "إذا جلس قدر التشهد، ثم أحدث فقد تمت صلاته".
قال النووي: وأجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة، فإن سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه، وإن سلم تسليمتين جعل الأولى عن يمينه والثانية عن يساره، ويلتفت في كل تسليمة حتى يرى من عن جانبه خده. هذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: حتى يرى خده من على جانبه، وينوي بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة والسلام على من على يمينه وعلى الحفظة، وينوي بالثانية السلام على من على يساره وعلى الحفظة، ولو سلم التسليمتين عن يمينه، أو عن يساره أو تلقاء وجهه، أو الأولى عن يساره، والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت تسليمتان، ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما. اهـ والتسليمة الثانية سنة عند الجمهور، وقال مالك وطائفة يسلم تسليمة واحدة، قال ابن المنذر: وقال ابن عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين، ومسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة، وقال ابن المنذر: وبالأول أقول.
واحتج القائلون بتسليمة واحدة بحديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة