الذي سينزل في آخر الزمان ومعه مغريات وجنة ونار ونعيم وعذاب يخدع الناس لينصرفوا عن عبادة الله وحده وعن الطاعات إلى الإشراك وإلى المعاصي فمن أطاعه ليدخل جنته كان من أهل النار، ومن عصاه ولم ينخدع به كان من أهل الجنة ومن فتنة الحياة وزخارف الدنيا وملذاتها وشهواتها، ومن فتنة الممات والخاتمة. نسأل الله حسن الختام حين يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، ومن عذاب جهنم، وعذاب النار في الآخرة.
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر أمام أصحابه من الاستعاذة من المأثم والمغرم، أي من الإثم والعصيان، ومن غلبة الدين والغرامة التي لا قدرة على تحملها وأدائها، فقيل له: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فما خطره الذي أزعجك حتى أكثرت من الاستعاذة منه؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن المغرم باب شر كبير، لأن الرجل إذا غرم ولم يستطع الأداء اختلق لصاحب الدين الأكاذيب، ووعد أن يوفي الدين يوم كذا ثم لا يوفي، فيورث المغرم شعبتين من شعب المنافقين، الكذب وخلف الوعد، وما أقبح هاتين الرذيلتين وما أقبح من يتصف بهما.
هكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته دعاء يقيهم الشرور في الدنيا والآخرة وصدق الله العظيم إذ يقول فيه:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}[التوبة: ١٢٨] فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
-[المباحث العربية]-
(هل شعرت أنكم ... ) أي هل علمت علمًا مبدئيًا عاجلاً؟ أو هل بلغك قريبًا؟ يقال: شعر بكذا إذا بدأه الشعور، وعرض له الخبر أول وهلة، والخطاب في "أنكم" لعائشة والمسلمين ولذلك كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم برده على اليهود ومقصودها: أنكم معشر المسلمين وعامة الناس.
(تفتنون في القبور) قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار، قال عياض: استعمالها في العرف لكشف الحال المكروه. اهـ وتطلق على القتل والإحراق والنميمة والتعذيب. وأضيفت الفتنة والعذاب إلى القبر لكون معظمه فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا، وإلا فالعذاب يقع على من شاء الله تعذيبه بعد موته ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق.
(فارتاع النبي صلى الله عليه وسلم) أي ففزع صلى الله عليه وسلم من قول اليهود مجوزًا صدق الخبر مع عدم علمه به، وخشي أن يكون صحيحًا فيكون الأمر عسيرًا.
(وقال: إنما تفتن يهود) لا نحن معشر المسلمين، أي إن كان عندكم علم فلعله خاص بكم.
(فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر) أي بعد أن أوحى إليه بفتنة القبر. و"يستعيذ" أي يطلب الحصانة والحماية منه.