وقد استشكل دعاؤه صلى الله عليه وسلم واستعاذته مما ذكر بما ذكر من أنه معصوم مغفور له ما تقدم وما تأخر، قال الحافظ ابن حجر: وأجيب بأجوبة. أحدها: أنه قصد التعليم لأمته. ثانيها: أن المراد السؤال منه لأمته، فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي، ثالثها: سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله تعالى وإعظامه والافتقار إليه وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة، لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك، لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة. وأما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحقق أنه لا يدركه فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين، وقيل على الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم إدراكه، ويدل عليه قوله في حديث رواه مسلم "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه". اهـ.
قال العيني: وفائدة استعاذته من المسيح الدجال أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة بأنه كذاب مبطل مفتر ساع على وجه الأرض بالفساد، مموه ساحر، حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه - عليه اللعنة - ويتحققوا أمره، ويعرفوا أن جميع دعاويه باطلة كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا وقد اختلف العلماء فيما يدعو به الإنسان في صلاته، فعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة، أو الموافقة للقرآن الكريم، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم قريبًا "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".
وقال الشافعي ومالك: يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري بعد أن علمهم التشهد "ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو".
وفي رواية "ثم ليتخير من الدعاء ما أحب" واستثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا، قال الحافظ ابن حجر: فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقًا لا يجوز. اهـ.
ولا شك أن الدعاء بالمأثور وبأمور الآخرة أولى وأفضل، والخلاف في الجواز وعدم الجواز وبطلان الصلاة وعدم بطلانها. والله أعلم.
وقد ورد فيما يقال بعد التشهد من أدعية أخبار من أحسنها ما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود "اللهم إني أسألك من الخير كله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، ما علمت منه وما لم أعلم. اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار".
وما رواه البخاري عن أبي بكر الصديق قال: قلت: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي.