النسائي وأبي داود والترمذي، وعن سلمة عند البزار، وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني. وجمع البغوي في شرح السنة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة، أولها عشرًا. عشرًا، ثم إحدى عشرة، ثم ثلاثًا وثلاثين، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير، أو يفترق بافتراق الأحوال، وقد جاء من حديث ابن ثابت وابن عمر "أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا كل ذلك خمسًا وعشرين ويزيدوا فيها "لا إله إلا الله خمسًا وعشرين" ولفظ زيد بن ثابت "أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونكبر أربعًا وثلاثين، فأتى رجل في منامه، فقيل له: أمركم محمد أن تسبحوا ... ؟ قال: نعم. قال: اجعلوها خمسًا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل. فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فافعلوه" أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان، واستنبط النسائي أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة، وإلا لكان يمكن أن يقال لهم: أضيفوا لهما التهليل ثلاثًا وثلاثين؛ وقد كان بعض العلماء يقول: إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص، فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص، لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية وتفوت بمجاوزة ذلك العدد. قال الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي: وفيه نظر.
لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به، فحصل له الثواب بذلك، فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة الثواب بعد حصوله؟ قال الحافظ ابن حجر: يمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد، ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا الحافظ أبو الفضل لا محالة، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلاً. فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي، وقد بالغ القرافي في القواعد، فقال: من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحددة شرعًا، لأن شأن العظماء إذا حددوا شيئًا أن يوقف عنده، ويعد الخارج عنه مسيئًا للأدب. اهـ قال الحافظ ابن حجر: وقد مثله بعض العلماء بالدواء، يكون مثلاً فيه أوقية سكر، فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء، ثم استعمل بعد ذلك من السكر ما شاء لم يتخلف الانتفاع، ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة، لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة تفوت بفواتها. والله أعلم. انتهى.
ولست مع هذا التزمت، وأنه لو زاد بغير نية فات الثواب، كل ما هو مطلوب أن لا يظن أن ما يفعله خير من التشريع، لكن إن جرى لسانه بزيادة ما دون قصد حصل له الثواب المذكور، وإذا كنا قد حكمنا لمن صلى الرباعية خمسًا بدون نية الزيادة بصحة صلاته، فكيف نحكم على من زاد في الذكر بدون نية بعدم الثواب؟ ثم التشبيه بالدواء وبالسكر تشبيه باطل فالزيادة في السكر مضرة نوى المريض أو لم ينو، والأمر هنا بخلافه، فهو قياس مع الفارق، نعم قصد الاقتداء واتباع الأوامر وعدم التنطع بالزيادة عمدًا أولى. والله أعلم.
كما اختلف العلماء في كيفية التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين، هل يجمعها في كل مرة، ويعد ثلاثًا وثلاثين كما قال أبو صالح في ملحق روايتنا السابعة، أو يأتي بالتسبيح وحده ثلاثًا وثلاثين، ثم بالتحميد ثلاثًا وثلاثين، ثم بالتكبير ثلاثًا وثلاثين، كما فسره بعض أهل سمي في الرواية