جل جلاله أن يثيب على القليل كثيرًا، وإن كان المقصود أي الاختيارين أشق بحيث لو أدى كل منهما في ميدانه ما هو مطلوب منه شرعًا بدرجة واحدة، هل يكون أداء الفقير وعطاؤه أكثر؟ فيستحق عادة وقياسًا ثوابًا أكثر؟ أو يكون الغني وعطاؤه أكثر، فيستحق عادة وقياسًا ثوابًا أكثر؟ الظاهر أن الابتلاء بالمال أشق والقيام بحق الله فيه أصعب، لقوله تعالى:{إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}[العلق: ٦، ٧] وقصة قارون وقصة من "عاهد الله لئن آتاه من فضله ليصدقن وليكونن من الصالحين" خير شاهد، والحديث صريح في فضل الغنى فإن الفقراء حينما قارنوا ساووا بين الفريقين في الصلاة والصيام أي وبقية المتيسر للفقراء من الصالحات، وشكوا زيادة الأغنياء بالتصدق والإعتاق، فلم يقل لهم الحديث: إن صبركم على الفقر يعادل تصدقهم وإعتاقهم، بل أرشدهم إلى عمل لو لم يعمله الأغنياء يعدل تصدق الأغنياء وإعتاقهم، فلما عمله الأغنياء بقيت ميزتهم التي عللت بقوله "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" وأما استدلال القرطبي بدخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء فإن كان قصده كل الفقراء وكل الأغنياء فغير مسلم وإن كان قصده أن كثرة الأولين من الفقراء فمسلم، لأن الفقراء غالبا ليس أمامهم إلا الصبر، أما الأغنياء فقليل منهم الشكور، وليس هذه محل النزاع.
وكذا كلام الحافظ ابن حجر: في غير موضوع النزاع، فهو في فقراء بعينهم تسببوا في أجر لهم ولغيرهم، وموضوع النزاع في الفقراء والأغنياء عامة، وبناء على هذا التحرير لو قلنا: هل يطلب المسلم من ربه أن يكون فقيرًا صابرًا؟ أو غنيًا شاكرًا؟ لقلنا: ليطلب أن يكون غنيًا شاكرًا، وليحذر فإن الغنى منزلق خطر والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.