للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

افترض الله عليهما، فللغني حينئذ فضل عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه؛ قال: ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن الفضل المرتب على الذكر يخص الفقراء دون غيرهم. قال: وغفل هذا القائل عن قوله في الحديث "إلا من عمل مثله" فجعل الفضل لقائله غنيًا أو فقيرًا.

وقال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغنى. قال: والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا. وفضلت العبادة المالية أن يكون الغنى أفضل، وهذا لا شك فيه، وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه. أيهما أفضل؟ إن فسر الفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة، فيترجح الغنى، وإن فسر بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بحسب الفقر أشرف، فيترجح الفقر ومن ثمة ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر. اهـ وقال الكرماني: قضية الحديث أن شكوى الفقر تبقى بحالها، وأجاب بأن مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا والنعيم المقيم لهم أيضًا، لا نفي الزيادة عن أهل الدثور مطلقًا. اهـ. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة ويظهر أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن متمني الشيء يكون شريكًا لفاعله في الأجر كما سبق في كتاب العلم، في الكلام على حديث "لا حسد إلا في اثنتين" فإن في رواية الترمذي التصريح بأن المنفق والمتمني إذا كان صادق النية في الأجر سواء، وكذا قوله "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء" فإن الفقراء في هذه القصة كانوا السبب في تعلم الأغنياء الذكر المذكور، فإذا استووا معهم في قوله امتاز الفقراء بأجر السبب مضافًا إلى التمني، فلعل ذلك يقاوم التقرب بالمال، وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شظف العيش وشكر الغني على التنعم بالمال، ومن ثم وقع التردد في تفضيل أحدهما على الآخر. اهـ.

وقال القرطبي: إن في هذه المسألة خمسة أقوال: فمن قائل بتفضيل الغني ومن قائل بتفضيل الفقير، ومن قائل بتفضيل الكفاف، ومن قائل برد هذا إلى اعتبار أحوال الناس في ذلك، ومن قائل بالتوقف، لأنها مسألة لها غور، وفيها أحاديث متعارضة. قال: والذي يظهر لي أن الأفضل ما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولجمهور صحابته رضي الله عنهم، وهو الفقير غير المدقع، ويكفيك من هذا أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام، وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار، يسألون عن فضول أموالهم. اهـ.

وبعد استعراض هذه الآراء نجد أنفسنا في حاجة إلى تحرير مواطن النزاع والمفروض عند المقارنة بين حالين أن نفترض المساواة التامة بين المقارنين في جميع الصفات ماعدا حالتي المقارنة، فالمقارنة بين فقير وغني أتى كل منهما بأعمال تساوي تمامًا ما أتى به الآخر، حتى في النية ودرجة الإخلاص، ولم تبق ميزة بينهما سوى صبر الفقير على حاله، وشكر الغني وصدقته وإعتاقه، وحينئذ إن كان المقصود أيهما أكثر ثوابًا عند الله؟ فليس لأحد أن يحكم إلا الله، فله

<<  <  ج: ص:  >  >>