لصلاة الجماعة فضيلة يسعى إليها كل مسلم، وللمبادرة إلى أداء الصلاة في وقتها فضيلة يحرص عليها كل مصل، وهكذا كان الصحابة يحرصون على هذه الفضائل كل الحرص، وكانوا يتسابقون ويسارعون لدرجة الجري والقفز.
ولما كان للصلاة قدسيتها لأنها مناجاة، وساحة المناجاة والتهيؤ لها يعطي حكمها من التقديس والوقار، ولما كان العامد إليها يعد فيها، إعطاء للوسيلة حكم الغاية كانت دعوة الشارع إلى إتيان الصلاة بالسكينة والخشوع والوقار منذ يخرج من بيته حتى يقف في الصف. لقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصوات وحركات أصحابه يسعون ويهرولون للحاق به وهو في الصلاة، فلما سلم قال لهم: ما هذه الجلبة؟ ولماذا تلك الحركات؟ قالوا: أسرعنا وتعجلنا اللحاق بك لإدراك أكبر قدر من الفضيلة. قال: لا تعودوا لمثلها، ولا تسعوا عند إتيانكم الصلاة، وائتوها مشيًا قريب الخطا، وعليكم بالسكينة في طريقكم، وعليكم بالخشوع والوقار في إتيانكم، فإن أحدكم في طريقه إلى الصلاة عامدًا إليها يعطي الثواب كما لو كان في صلاة، فما أدركتم مع الإمام فصلوا معه، وما سبقكم فيه فأتموه بعد تسليم الإمام، فإن لكم أجركم.
وهكذا دعت الشريعة إلى التبكير إلى الصلاة وانتظارها كما دعت إلى الوقار والسكينة في الذهاب إليها، فالحريص عليها ينبغي أن يبكر لها، فإن لم يبكر فلا يسرع في مشيه رفقًا به وتكريمًا وتقديسًا لساحة الصلاة، وأدبًا في التوجه إلى الله، هدانا الله لما يحبه ويرضاه.
-[المباحث العربية]-
(إذا أقيمت الصلاة) في الرواية الثانية "إذا ثوب للصلاة" وفي رواية البخاري "إذا سمعتم الإقامة" والمراد من التثويب الإقامة، وسميت الإقامة تثويبًا لأنها دعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان، من قولهم: ثاب إذا رجع. وفي الرواية الثالثة "إذا نودي بالصلاة" والمراد من النداء الثاني وهو الإقامة، وفي الرواية الخامسة "إذا أتيتم الصلاة" وهو أعم من الإقامة، لكن الأولى حمل الإتيان على الإتيان عند سماع الإقامة جمعًا بين الروايات، ولأنه إذا نهى عن الإسراع عند خوف فوات الفضيلة وإدراك تكبيرة الإحرام فقد نهى عن الإسراع عند عدم الخوف من باب أولى.
(فلا تأتوها تسعون)"جملة تسعون" في محل النصب على الحال، والمراد من السعي هنا الجري، لمقابلته هنا بقوله "وأتوها تمشون" وجملة "تمشون" حال أيضًا.
(وعليكم السكينة)"السكينة" بالرفع - كما ضبطها النووي - مبتدأ مؤخر، و"عليكم" خبر مقدم، والجملة في موضع النصب على الحال، وضبطها القرطبي شارح مسلم بالنصب على الإغراء،