للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: لا شك أنهما من باب التفضيل، ولكن الفضل يعني كثرة الثواب في مقابلة القلة، والخير يعني النفع في مقابلة الشر، والأول من الكمية، والثاني من الكيفية، اهـ ثم استشهد على قوله بما في العباب، ونصه: الفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة، والخير ضد الشر.

وتعقبه بعضهم بقوله: الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يعقل تأتيه في الأخرى فلا. اهـ وهذا التعقيب وجيه، فإن السائل في الرواية الأولى والثالثة إنما سأل عن الأفضل ثوابا ونفعا، ولم يقصد الأول الأفضلية في الثواب والآخر الأفضلية في النفع والله أعلم.

-[فقه الحديث]-

من علامة المسلم التي يستدل بها على حسن إسلامه سلامة المسلمين من شره وأذاه، بل إحسان المعاملة مطلوب مع غير المسلمين، بل مع غير الإنسان من الطير والحيوان، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: ذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب، لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدا، ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا، وإن كان فيهم من يجب الكف عنه. اهـ.

وقال السنوسي: لفظ المسلمين خرج مخرج الغالب، إذ الأغلب أن سبب الإذاية المخالطة، وغالب من يخالطه المسلم المسلمون مثله، فنبه على التحرز من إذايتهم التي قربت أسبابها، ولأن كف الأذى عن إخوته المسلمين أولى فذكر الوصف كالباعث على ترك الإذاية ... ثم قال: وقد دلت الأدلة الشرعية على تحريم إذاية الذمي، وعلى المنع من تعذيب الحيوان بغير ما شرع فيه من النفع. اهـ.

وخص اللسان واليد بالذكر من بين سائر الجوارح، لأن اللسان هو المعبر عما في النفس، واليد هي التي بها البطش، والقطع والوصل، والأخذ والمنع والإعطاء. قال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت، فقيل في كل عمل: هذا مما عملت أيديهم، وإن كان عملا لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي.

وقدم اللسان على اليد لأن إيذاءه أكثر وقوعا من إيذائها وأسهل مباشرة وأشد نكاية منها، ولهذا يقول الشاعر:

جراحات السنان لها التئام

ولا يلتام ما جرح اللسان

ثم إيذاء اللسان يعم ويلحق عددا أكثر مما يلحقه إيذاء اليد، فقد يؤذي أسرة أو قبيلة أو أهل بلدة، أو دولة بلفظ واحد، كما يتناول البعيد والقريب والحاضر والغائب، والميت والحي بخلاف اليد.

ثم إن ذكر اللسان واليد لغلبة مباشرة الأذى بهما لا يجعلهما المقصودين بالذات، بل هما كعنوان لكل ما يباشر الأذى من جميع الأعضاء حتى القلب فإن منهي عن الحقد والحسد، والبغض والغيبة، والتلذذ بتصور المعايب وإضمار الشر، ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>