جارحة من جوارحه، والمراد من سلم المسلمون من شره، فهو من باب ضربته الظهر والبطن، أي ضربت منه كل مكان.
الرواية الثانية
(المسلم من سلم) اختلف في الأداة "أل" في مثل هذا التركيب هل تقتضي الحصر أو لا؟ الراجح أنها تقتضي الحصر، ولكنه حصر الكمال في الإسلام، وهو قصر ادعائي كقولهم: الناس العرب، والمال الإبل، أي أفضل الناس وأفضل المال، وهنا كذلك أفضل المسلمين. بل قد ينفي اسم الشيء، ويراد نفي الكمال، كما يقال لمن لم يتقن عمله: ما صنع شيئا، أي متقنا، فإنه لا يقصد نفي الصنعة، فإنه قد صنع بالفعل.
وقدره الخطابي "المسلم الممدوح" وهذا التقدير يحتاج صفة أخرى، أي الممدوح مدحا كاملا، وإلا لزم أن من لم يتصف بهذه الصفة من المسلمين ليس بممدوح، وليس كذلك، فإن كل مسلم ممدوح بإسلامه، وإن ذم من ناحية أخرى.
قال بعض الشيوخ: والظاهر أن الحصر في مثل هذا الحديث، إنما هو نسبي واعتباري مثل الحصر في "لا علم إلا بخشية" و"لا علم إلا ما نفع" فإن ظاهر ثبوت هذه الأشياء بمجرد ثبوت هذا الوصف.
وظاهر الحديث على هذا يفيد ثبوت الإسلام لمن سلم المسلمون من لسانه ويده وإن لم ينطق بالشهادتين وليس كذلك، بل المراد المبالغة بأن هذا الوصف (سلامة المسلمين من لسانه ويده) هو المعتد به، دون غيره مجازا، أو التنبيه على أنه آكد الأوصاف المعتبرة في تحقق الإسلام، أو المراد المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده مع مراعاة بقية الأركان.
الرواية الثالثة
(أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده) قال الكرماني: فإن قلت: السؤال عن الإسلام، أي عن خصاله، والجواب بمن سلم، أي ذي الخصلة، حيث قال:"من سلم" ولم يقل: هو سلامة المسلمين من لسانه ويده، فكيف يكون الجواب مطابقا للسؤال؟ .
قلت: هو جواب مطابق وزيادة، من حيث المعنى، إذ يعلم منه أن أفضليته باعتبار تلك الخصلة، أو أطلق الإسلام وأراد الصفة، كما يقال: العدل، ويراد: العادل، فالإسلام أريد به المسلم، فكأنه قال: أي المسلمين خير؟ كما جاء في بعض الروايات. انتهى بتصرف. وبعضهم قدر مضافا، به يصح المعنى، والتقدير: أي أصحاب الإسلام أفضل، وبذلك يتطابق الجواب والسؤال.
وللتوفيق بين الرواية الأولى والثالثة، وبين كلمة "خير" وكلمة "أفضل" قال العيني: فإن قلت: هل هناك فرق بين "أفضل" وبين "خير"؟ .