للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[فقه الحديث]-

قال النووي: في الحديث الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار والنهي عن إتيانها سعيًا، سواء فيه صلاة الجمعة وغيرها، وسواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا.

ثم قال: وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا أقيمت الصلاة" إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواه، لأنه نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة، مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى، وأكد ذلك ببيان العلة، فقال صلى الله عليه وسلم "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة" وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة، وأكد ذلك تأكيدًا آخر، قال: "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة، فصرح بالنهي، وإن فات من الصلاة ما فات، وبين ما يفعل فيما فات. اهـ

وهذا التعميم الذي ذكره النووي هو ما عليه عامة العلماء، فالنهي عن الإسراع إلى الصلاة ولو لم يخف الفوات، ولو قبل الإقامة واضح بالقياس الأولى الذي ذكره، وواضح من الرواية الخامسة، ولفظها "إذا أتيتم الصلاة" والحكمة في ذلك أن الذاهب إلى الصلاة ينبغي أن يكون متأدبًا بآدابها، وعلى أكمل الأحوال، ومادام - والحالة هذه - في حكم المصلي فترة توصله إليها فعليه أن يلتزم الوجل والخشوع المطلوب لها، واعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه. وقد شذ بعضهم فجعل النهي خاصًا بمن سمع الإقامة أو خاف الفوات، ومعنى هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة، وملحظه أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها وقد ضاق به النفس فيقرأ بغير ترتيل، ويقف في الصلاة مضطربًا من غير تمام الخشوع، بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام حتى يستريح.

والنهي عن الإسراع بعد الإقامة وخوف الفوات واضح وصريح لكن الإمام أحمد يقول: ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئًا، ما لم يكن عجلة تقبح، فقد جاء الحديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعجلون شيئًا إذا خافوا فوات التكبيرة الأولى. ذكره صاحب المغني. وحكى قبل ذلك عن إسحق بن راهويه، وأنه يرى أن الإسراع المنهي عنه هو الإسراع المفضي إلى عدم الوقار. والأصح ما ذكره النووي.

ولا يقال: إن النهي عن السعي إلى الصلاة هنا يتعارض مع الأمر به في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة: ٩] لأن المراد من السعي المنهي عنه في الحديث -كما قلنا في المباحث العربية - الجري والعجلة لمقابلته بالمشي. والمراد من السعي المأمور به في الآية المضي والذهاب لمقابلته بترك البيع، والاستعمالان لغويان.

قال الحافظ ابن حجر: وعدم الإسراع يستلزم كثرة الخطا، وهو معنى مقصود لذاته، وردت فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>