هذا إذا كان الإمام في المسجد أو قريبًا منه، أما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون، ولا يقام للصلاة حتى يروه، وعن أحمد: ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام فلا يحتاج أن يقف. أما عن: متى يفتتح الإمام الصلاة؟ فقد قال أبو حنيفة ومحمد وزفر: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة كبر الإمام، لأنه أمين الشرع، وقد أخبر بقيامها، فيجب تصديقه.
وعامة العلماء على أنه لا يكبر الإمام إلا بعد فراغ المؤذن من الإقامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكبر بعد فراغه، دل على ذلك ما روي أنه كان يعدل الصفوف بعد إقامة الصلاة، ويقول في الإقامة مثل قول المؤذن، وروى أنس قال: أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال:"أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري" رواه البخاري. وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال هكذا وهكذا عن يمينه وشماله: "استووا وتعادلوا".
وعلى هذا فروايات الباب ظاهرة التعارض، فالرواية الثانية والثالثة والرابعة أن الصلاة كانت تقام، ويصطف المصلون، وتعدل الصفوف قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجرته، وقبل أن يراه الناس، والرواية الخامسة أن الصلاة لم تكن تقام حتى يخرج ويراه الناس.
وقد جمع الحافظ ابن حجر بأن روايات أبي هريرة [الثانية والثالثة والرابعة] وقعت لبيان الجواز، وبأن صنيعهم فيها كان سبب النهي الوارد في الرواية الأولى، وأنه نهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره.
وهناك تعارض آخر في الظاهر بين الرواية الأولى والرواية الخامسة، فالرواية الأولى "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" ظاهرها أن الصلاة قد تقام قبل أن يروا النبي صلى الله عليه وسلم، والرواية الخامسة، وفيها "فإذا خرج الإمام أقام [بلال] الصلاة حين يراه" واضحة في أنه لم يكن يقيم حتى يراه، وقد جمع الحافظ ابن حجر بينهما نقلاً عن القرطبي بأن بلالاً كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا، فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - استحباب تعديل الصفوف والتراص فيها.
٢ - أنه لا يضر الفصل القليل بين الإقامة والصلاة، حيث لم يجددوا إقامة الصلاة لما اغتسل وخرج. قال الحافظ ابن حجر، الظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت، وعن مالك: إذا بعدت الإقامة عن الإحرام تعاد، وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر.
٣ - جواز النسيان في العبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقد سبق بيان ذلك في سجود السهو.
٤ - استدل بقطر الماء من رأسه صلى الله عليه وسلم على طهارة الماء المستعمل.