عن هذا الحب حب من يحبه الله ورسوله من أجل حب الله ورسوله، يتفرع عن هذا الحب حب الصالحين ومجالستهم والاقتداء بهم وتتبع سيرتهم، والميل إليهم لا لشيء إلا لأنهم صالحون، ولأن حبهم من حب الله ولله وفي الله.
ويتفرع عن هذا الحب بغض ما يبغضه الله ورسوله، بغض الكفر والفسوق والعصيان، بغض الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا. بغض أن يعود المؤمن إلى هذا الظلام بعد أن أنقذه الله منه وأخرجه إلى النور.
من بلغ هذه الدرجة من الحب بلغ قمة الإيمان، وتمتع بحلاوته، وسعد بسموه ونوره وهدايته، وكانت له الجنات العلى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
-[المباحث العربية]-
(ثلاث من كن فيه)"ثلاث" مبتدأ، والجملة بعده الخبر، وجاز الابتداء به - وهو نكرة - لأن التنوين عوض عن المضاف إليه، والتقدير: ثلاث خصال أو صفات، وقد سبق القول بأن حذف المعدود يجيز تذكير العدد وتأنيثه، و"من" مبتدأ ثان، والشرط والجواب خبره، والجملة خبر "ثلاث".
(وجد بهن حلاوة الإيمان) أي أحس وشعر بحلاوة الإيمان بسبب تحصيلهن، فحلاوة الإيمان موجودة في المؤمن بوجود الإيمان، لكنه لا يحسها ولا يدركها ولا يستلذها إلا من كانت عنده هذه الخصال الثلاث، فالمؤمن مثله مثل آكل العسل، حلاوة العسل محققة في أكله، لكن إن كان الآكل في صحة وراحة بال فهو يستطيبه، ويحس به، ويتلذذ بحلاوته، وإن لم يكن في صحة أو كان مشغول البال مهموما بأمر من الأمور لم يحس له طعما ولم يشعر بحلاوة، وكذلك المؤمن إن حصل الصفات الثلاث وجد حلاوة الإيمان، وإلا لم يسعد بإيمانه في دنياه، ولم ينتفع به النفع الكامل في أخراه.
وقد جاء في الرواية الثانية "وجد طعم الإيمان" وهي بمعنى الرواية الأولى، لأن طعم الإيمان عند المؤمن لا يكون إلا حلوا.
ولما كان الطعم والحلاوة من صفات المطعومات كان التعبير بهما في جانب الإيمان مجازيا على سبيل الاستعارة التصريحية، بتشبيه انشراح الصدر بالحلاوة. أو على سبيل الاستعارة بالكناية بتشبيه الإيمان بشيء حلو، ثم إضمار التشبيه، والرمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الحلاوة على سبيل التخييل.
(من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) رواية البخاري جاءت تعدد الخصال الثلاث ولفظها "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء ... وأن يكره أن يعود ... ".