للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والرواية الثانية لمسلم جعلت تعدد صاحب الخصال، ولفظها "من كان .. ومن كان .. ومن كان" أما الرواية الأولى لمسلم فقد جاءت بصاحب الخصلة الأولى، ثم جاءت بالخصلتين الأخيرتين.

والمصدر المنسبك من "أن" والفعل [على رواية البخاري] خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هي [أي الخصال الثلاث] كذا وكذا وكذا إن روعي المجموع، وتقديره: إحداها كذا وثانيتها كذا وثالثتها كذا إن روعي كل من الثلاث على حدة.

ولفظ "من كان" على رواية مسلم خبر مبتدأ محذوف أيضا، تقديره: هو [أي صاحب هذه الخصال] من كان كذا ومن كان كذا، ومن كان كذا، ويراعى أن المقصود تعدد الصفات لموصوف واحد، لأن حلاوة الإيمان لا تكون إلا لمن جمعها، ولفظ "أحب" خبر "كان" وجاء بكثرة على صيغة أفعل التفضيل، وإن كان على خلاف القياس، إذ لا يصاغ أفعل التفضيل من الفعل المبني للمجهول، وكان الأصل أن يقال: من كان الله ورسوله أشد محبوبية إليه، وعبر بـ "ما" دون "من" في قوله "مما سواهما" ليعم كل محبوب عاقل أو غير عاقل.

(وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) فاعل "يحب" ضمير مستتر يعود على "من كان الله ورسوله أحب إليه" وجملة "لا يحبه إلا لله" حال.

(وأن يكره أن يعود في الكفر) مصدر "أن يعود" مفعول "يكره" يقال عاد إلى كذا أي رجع إليه، وعاد فيه مضمن معنى استقر، أي رجع إليه وانغمس فيه واستقر، حتى صار الراجع مظروفا والمرجوع عليه ظرفا له.

وآثر التعبير بـ "في" ليتسق مع المشبه به في قوله "كما يكره أن يقذف في النار" فالكفر مشبه بالنار، والعود إليه مشبه بالقذف فيها، لا بالوصول إليها، فمن رجع إلى الكفر غمره الكفر وأحرقه كما تغمر النار المقذوف فيها.

(بعد أن أنقذه الله منه) رواية البخاري "بعد إذ أنقذه الله منه" وفائدة هذا القيد إبراز المنة، وأن الله هو الذي هداه إلى الإيمان، وتأكيد القبح والشناعة في الرجوع، فإن الرجوع إلى الشر بعد النجاة منه والبعد عنه أقبح من الرجوع إليه عن قرب منه وشائبة اتصال به.

(كما يكره أن يقذف في النار) "كما يكره" صفة لمصدر محذوف و"ما" مصدرية والتقدير: وأن يكره العود في الكفر كراهة مشابهة لكراهته أن يقذف في النار.

والتعبير في الرواية الثانية "ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر" أبلغ منه في الرواية الأولى، لأن التعبير في الرواية الأولى يسوي بين الأمرين، والتعبير في الرواية الثانية يجعل الوقوع في النار أحب من الرجوع في الكفر، فالرجوع في الكفر أشد كراهة من القذف في النار.

وأفعل التفضيل "أحب" في الروايتين الثانية والثالثة ليس على بابه من أن أمرين اشتركا في

<<  <  ج: ص:  >  >>