قلوب الصحابة حب قيام الليل والتطوع بالصلاة فيه بدأ التشجيع على السهر في الطاعة، وبدأ الحض على تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها، وبدأ هذا الأمر عمليًا عن طريق توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقدم صلاة العشاء أحيانًا. ويؤخرها عن أول وقتها أحيانًا أخرى، كان إذا رآهم اجتمعوا صلى بهم ولم ينتظرها، لأن فيهم المريض والسقيم وذا الحاجة، والأم ينام صبيانها، والأب تنتظره زوجه وأولاده، وإذا رآهم أبطئوا ولم يتجمعوا [لاسترخاء بعضهم اعتمادًا على موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على التأخير وحبه له] أخر صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء حتى يتجمعوا، وشجع على التأخير بنفسه في ليلة من الليالي، إذ تجمع الصحابة وانتظروا خروجه صلى الله عليه وسلم للصلاة وقد مضى من وقتها ساعة وأكثر فلم يخرج، حتى ذهب ثلث الليل أو يقرب من الثلث، حتى نام النساء والصبيان الموجودون بالمسجد، وحتى نام بعض الرجال وتيقظوا وناموا وتيقظوا، وحتى قام عمر قريبًا من باب بيته صلى الله عليه وسلم ونادى الصلاة.
نام النساء والصبيان، وخرج صلى الله عليه وسلم وعليه آثار الغسل وشعره يقطر ماء، فقال لأصحابه: هذا الوقت المفضل لصلاة العشاء، ولولا المشقة على بعضكم لصليت بكم كل ليلة في هذا الموعد، لأنكم طالما تنتظرون الصلاة فأنتم في صلاة، وأنتم بانتظاركم صلاة العشاء إلى ثلث الليل تكونون الأمة الوحيدة التي تعبد ربها في هذا الوقت من الليل، فتكونون الأمة الوحيدة المستحقة للأجر الكبير والدرجات العلى، ففرح الصحابة بهذه البشرى وانتظروا وأخروا العشاء حين يؤخرونها راضين مسرورين.
-[المباحث العربية]-
(أعتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بصلاة العشاء) ذكر ابن سيده: العتمة ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق، وقيل: العتمة الإبطاء، يقال أعتم الشيء إذا أخره، والأول أظهر. يقال: أعتم دخل في وقت العتمة، والمعنى هنا أخر صلاة العشاء حتى اشتدت عتمة الليل، وهي ظلمته، و"ليلة" ظرف زمان أي أعتم في ليلة من الليالي.
(وهي التي تدعى العتمة) تدعى كذلك من العرب والأعراب.
(نام النساء والصبيان) أي الذين ينتظرون منهم الصلاة بالمسجد، وليس المراد من بالبيوت، وإنما خصهم بذلك لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم ومحل الشفقة والرحمة، بخلاف الرجال.
(وذلك قبل أن يفشو الإسلام في الناس) أي قبل أن يظهر وينتشر في غير المدينة، وإنما انتشر في غير المدينة بعد فتح مكة.
(وما كان لكم أن تنزروا رسول اللَّه)"تنزروا" بالتاء المفتوحة، ثم النون الساكنة، ثم زاي مضمومة، ثم راء، أي تلحوا عليه، ونقل القاضي عن بعض الرواة أنه ضبطه تبرزوا بضم التاء بعدها باء ساكنة فراء مكسورة فزاي من الإبراز، أي تخرجوا. قال النووي: والرواية الأولى هي الصحيحة المشهورة التي عليها الجمهور.