كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فلما قضى صلاته قال: لا تقولوا هذا القول في مالك بن الدخشن. أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: إنه يشهد بلسانه دون قلبه، فإنا نراه يتجه بوجهه ونصيحته للمنافقين قال: ألا ترونه قد قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال صلى الله عليه وسلم: لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه النار.
فصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(عتبان بن مالك) قال النووي: بكسر العين على المشهور، وحكى ضمها.
(إني قد أنكرت بصري) في الرواية الثالثة "إن بصري قد ساء" وفي رواية مسلم في كتاب الإيمان "أصابني في بصري بعض الشيء" وفي بعض الروايات "جعل بصري يكل" وفي رواية "لما ساء بصري" وهذه الروايات تدل على أنه لم يكن قد عمي كلية، لكن رواية لمسلم في كتاب الإيمان تقول "حدثني عتبان بن مالك أنه عمي" ورواية للبخاري في باب الرخصة في المطر تقول" قال محمود: إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، ففي هاتين الروايتين تصريح بأنه عمي بالفعل.
وجمع الحافظ ابن حجر بين الروايات بأن قول محمود: "إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى" أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث - كما هو ظاهر روايتنا الثانية - لا حين سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا أن عتبان حين طلب الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قد تم عماه.
ويعكر على هذا الجمع رواية البخاري، وفيها أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر" إذ ظاهرها أنه حين طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعمى، وجمع بعضهم بحمل الروايات الدالة على ضعف البصر على المجاز، وأنه أراد بضعف البصر العمى الكلي من إطلاق الجزء وإرادة الكل. أو يحمل رواية البخاري الأخيرة "وأنا رجل ضرير" على المجاز وإرادة ضعف البصر وذهاب معظمه، ويطلق على ذلك العمى لقربه منه، ومشاركته له في فوت بعض ما كان حاصلاً في حال السلامة، وهذا الجمع هو الجدير بالقبول.
(فلم يجلس حتى دخل البيت) قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم "فلم يجلس حتى دخل" وزعم بعضهم أن صوابه "حين دخل" قال القاضي عياض: هذا غلط، بل الصواب "حتى دخل" كما ثبتت الروايات ومعناه لم يجلس في الدار ولا في غيرها حتى دخل البيت، مبادرًا إلى قضاء حاجته التي طلبها وجاء بسببها وهي الصلاة في بيته، وهذا الذي قاله القاضي واضح متعين، ووقع في بعض نسخ البخاري "حين دخل" وفي بعضها "حتى" وكلاهما صحيح. اهـ.
وكلام النووي غير متسق، لأن قوله: "وكلاهما صحيح" لا يتفق مع قوله: "والذي قاله القاضي واضح متعين" مع أن الذي قاله القاضي: إن رواية "حين" غلط، والصواب "حتى".