(حتى يحب لأخيه -أو قال- لجاره) شك من الراوي في أي من اللفظين صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الرواية الثانية:"حتى يحب لجاره أو قال لأخيه" ورواية البخاري "لأخيه" من غير شك. والتعبير بالأخ على سبيل التغليب فتدخل الأخت أيضا. والتعبير بالأخوة لإثارة كوامن الشفقة والمحبة.
المراد من الأخ ما هو أعم وأشمل من أخ النسب قطعا، ولكن هل المراد الأخوة في الإسلام؟ أو الأخوة في الإنسانية، بمعنى أن الناس كلهم لآدم وحواء، أب واحد وأم واحدة فهم إخوة؟ .
ظاهر صنيع الإمام النووي في شرح مسلم أن المراد بالأخوة الأخوة في الإسلام، إذ بوب هذا الحديث بقوله:[باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير] ثم قال في الشرح: معنى الحديث أنه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه. اهـ.
وهو ظاهر كلام الحافظ ابن حجر، إذ ساق رواية للإسماعيلي، نصها "يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير" ثم قال: فبين [الحديث] المراد بالأخوة، وعين جهة الحب، ثم قال: والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وتخرج المنهيات، لأن اسم الخير لا يتناولها. انتهى كلامه.
وإن الباحث ليتساءل -أمام رأي هذين الإمامين- ألا ينبغي أن نحب للكفار أن يسلموا؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هداية الناس جميعا، فقيل له "إنك لا تهدي من أحببت"؟ ألسنا نحب الصفات الحميدة؟ ونحب أن يتحلى بها الناس جميعا؟ فلم نضيق الواسع؟ ونجعل المطلوب من المؤمن حبه الخير للمسلم فقط دون بقية البشر؟
نعم. نهينا عن حب الكفار ومودة المحاربين منهم، لما هم عليه من شطط وصفات ذميمة، لكن من الإيمان أن نحب لهم أن يؤمنوا، بل يجب علينا أن ندعوهم لذلك، وأن نجاهد في سبيل تحقيق هذا الخير لهم. إن رواية الإسماعيلي - على فرض صحتها- تخص الأخ المسلم بالذكر لمزيد عناية به، هو بالنسبة لحب الخير له أولى وأهم من غيره، وإن كان حبنا الخير ليس مقصورا عليه. والله أعلم.
وهل الذي يجب على المؤمن ليكمل إيمانه أن يحب لأخيه عين ما يحب لنفسه، أو مثل ما يحب لنفسه؟ فمثلا؟ إذا كانت هناك درجة مالية واحدة أطمع فيها، هل أحبها لأخي فأحرم أنا منها؟ أو أحبها لنفسي وأحب وجود مثلها لأخي؟