وإذا كنت في منصب مدير الجامعة مثلا، هل أحب لأخي أن ينتزعه مني لأكون قد أحببت له عين ما أحبه لنفسي؟ أو أحب لأخي منصبا شبيها بمنصبي؟
أعتقد أن الإيمان يتم بالثاني، أعني بالشبيه، غاية الأمر أنه إن فاز أخي بما كنت أطمع فيه، أو حل محلي فيما كنت فيه، بطريق مشروع، ودون إيذاء منه لي، ينبغي أن أحبه له ولا أحقد عليه، ولا أجد في نفسي حاجة مما أوتي ولو كان بي خصاصة، لأني أحب له ما أحب لنفسي، ومعنى هذا أن المنافسة بين الأقران في المشروع مشروعة بالطريق المشروع، فالمنافسة في الدرجات والمناصب الدنيوية جائزة بين المستحقين لها، فإن اعتدى من أجلها أدنى على أعلى. أو سعى لها أحد المتساويين سعيا غير مشروع كانت غير مشروعة.
أما المنافسة في الأمور الدينية والأخروية فهي واجبة في الواجبات مندوبة في المندوبات، قال تعالى:{وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}[المطففين: ٢٦].
وقد أورد الحافظ ابن حجر على الحديث إشكالا وجوابه، نصه، فإن قيل: فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملا وإن لم يأت ببقية الأركان؟ أجيب بأن هذا ورد مورد المبالغة، أو يستفاد من قوله "لأخيه المسلم" ملاحظة بقية الصفات. اهـ.
وهذا الإشكال لا يرد على الحديث، إنما يرد لو كان نصه: المؤمن الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما ورد هذا الإشكال وأجبنا عنه في حديث "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
أما لفظ الحديث الذي معنا فهو "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" فلا يرد عليه هذا الإشكال. فإن قولنا: لا يكون أحدكم عالما حتى يدرس علوم القرآن ليس معناه أن من درس علوم القرآن وحده يكون عالما، وإنما معناه أنه لا يكمل علمه إلا بدراسته.
وإذا كان من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان منه أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه، ولم يذكره الحديث لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - الحث على التواضع.
٢ - السعي وراء أسباب المحبة بين الناس.
٣ - البعد عن الأثرة وحب النفس أكثر من الغير.
٤ - الزجر عن الحقد والغش والحسد ونحوها من الصفات الذميمة التي تورث التباغض والتدابر بين الناس.
(ملحوظة) أرجأنا الكلام عن حب المؤمن لجاره ما يحب لنفسه الوارد في هذا الحديث إلى موضوعه الآتي.