(فتلقيناه بعين التمر) في رواية البخاري "فلقيناه بعين التمر" وهو موضع بطريق العراق مما يلي الشام، وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة أبي بكر بين خالد بن الوليد والأعاجم، وانتصر خالد ولما دخل حصن الأعاجم وجد به أربعين غلامًا يتعلمون الإنجيل وعليهم باب مغلق، فكسره خالد وفرق الغلمان في الأمراء، فكان فيهم حمران مولى عثمان بن عفان، ومنهم سيرين والد محمد بن سيرين، أخذه أنس بن مالك، وجماعة آخرون من الموالي أراد اللَّه بهم وبأولادهم خيرًا.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من هذه الأحاديث الأحكام الآتية]-
١ - قال النووي: في هذه الأحاديث جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت، وهذا جائز بإجماع المسلمين، وشرطه أن لا يكون سفر معصية ولا يجوز الترخص بشيء من رخص السفر لعاص بسفره، كمن سافر لقطع طريق أو لقتال بغير حق، أو عاقًا لوالديه، أو ناشزة على زوجها، ويجوز التنفل على الراحلة في قصير السفر وطويله عند الشافعية وعند الجمهور. ولا يجوز في داخل البلد وحولها من غير سفر، وعن أبي سعيد الاصطخري من الشافعية أنه يجوز التنفل في البلدة وحولها من غير سفر على الدابة، وهو قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وعن مالك أنه لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة، وهو قول غريب. اهـ. قال الطبري: لا أعلم أحدًا وافقه على ذلك. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى اللَّه عليه وسلم، ولم ينقل عنه أنه سافر سفرًا قصيرًا فصنع ذلك، وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك. ثم قال النووي: وأما تنفل راكب السفينة فمذهبنا أنه لا يجوز إلا إلى القبلة لتمكنه من الاستقبال، إلا ملاح السفينة فيجوز له إلى غيرها لحاجة كما في حال تسييرها، وعن مالك رواية أنه يجوز لراكب السفينة ما يجوز لراكب الدابة.
٢ - والأحاديث تدل على جواز ترك استقبال القبلة في النافلة على الراحلة لقوله "حيث توجهت به، ونحوها مما ورد في الروايات. قال العلماء: واعتبرت جهة الطريق المقصود بدلاً عن القبلة، بحيث لا يجوز الانحراف عنها عامدًا قاصدًا لغير حاجة المسير، إلا إن كان سائرًا في غير جهة القبلة فانحرف إلى جهة القبلة فإن ذلك لا يضره، ولو كانت الدابة متوجهة إلى مقصده وركبها هو معترضًا أو مقلوبًا فإنه لا يصح إلا أن يكون ما استقبله هو جهة القبلة على الصحيح.
وهل يشترط أن يفتتح الصلاة باستقبال القبلة؟ الظاهر أنه لا يشترط لظاهر عموم الأحاديث وإطلاقها، لكن المستحب أن يستقبل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة، لما رواه أنس عند أبي داود وأحمد والدارقطني "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع في السفر استقبل بنا القبلة، ثم صلى حيث وجهت ركابه".