ولم توضح أحاديث الباب كيفية الصلاة على الراحلة، لكن جاء في رواية البخاري عن عامر بن ربيعة قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة يسبح، يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" قال ابن دقيق العيد: الحديث يدل على الإيماء في الركوع والسجود معًا، والفقهاء قالوا: يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع، ليكون البدل على وفق الأصل، قال: وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه. اهـ. وذهب الجمهور إلى السجود على الدابة لمن قدر عليه وتمكن منه دون مشقة، وعن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد وإن تمكن من السجود، بل يومئ. واللَّه أعلم.
٣ - ويؤخذ من الرواية العاشرة. ومن صلاة أنس نافلته على حمار حيث توجه به أنه لا فرق بين الحمار والبغل والناقة في جواز صلاة النافلة عليها في السفر، لأن الراوي لم ينكر على أنس الصلاة على الحمار، وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط، وقول أنس:"لولا أني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعله لم أفعله" يعني ترك استقبال القبلة للتنفل على الدابة، وقد فهم بعضهم من عبارة أنس أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتنفل على حمار، وهو محتمل، لكن نازع فيه بعضهم، وقال: إن خبر أنس هنا إنما هو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راكبًا تطوعًا لغير القبلة، وهذه المنازعة لا تؤثر في الحكم، فإن روايتنا الرابعة عن ابن عمر قال "رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو موجه إلى خيبر" تفيد أنه لا فرق بين الحمار في هذه المسألة وبين الناقة.
٤ - وقد أخذ بعضهم من هذ االحديث أن عرق الحمار طاهر، وكان الأصل أن يكون عرقه كلحمه، لأنه متولد منه، قال العيني: ولكن خص بطهارته لركوب النبي صلى الله عليه وسلم إياه معروريًا والحر حر الحجاز، فحكم بطهارته، اهـ. وقال ابن دقيق العيد في تعليل طهارة عرق الحمار، قال: لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر، لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه، واحتمل العرق. اهـ.
٥ - وقد أخذ من هذه الأحاديث أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه أن صلاته صحيحة، لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها.
٦ - ويؤخذ من ظاهر هذه الأحاديث أن جواز ترك استقبال القبلة في التنفل خاص بالراكب دون الماشي، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، لأن ذلك رخصة، والرخص لا يقاس عليها، وأجاز تنفل الماشي الشافعية والحنابلة قياسًا على الراكب، ولأن السر في هذه الرخصة تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها، تعظيمًا لأجورهم، رحمة من اللَّه بهم، إلا أن بعض المجيزين اشترط استقبال القبلة في تحرمه وعند الركوع والسجود، واشترط السجود، على الأرض، وله التشهد ماشيًا كما أن له القيام ماشيًا، واشترط بعضهم التشهد قاعدًا ولا يمشي إلا حالة القيام، وأجاز بعضهم عدم اللبث على الأرض في شيء من صلاته، ويومئ بالركوع والسجود، كمن هو على الدابة.
واللَّه أعلم.
٧ - وأحاديث الباب صريحة في النافلة، وهي تخصص قوله تعالى {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}[البقرة: ١٤٤] وتبين أن قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله}[البقرة: ١١٥] في النافلة.