وروايتنا الرابعة عشرة، وفيها "أظنه أخر الظهر وعجل العصر" مما يوحي بأن الجمع صوري.
ويجيب الجمهور عن هذه الشبهة ببقية الروايات، ففي الخامسة "أخر الظهر إلى وقت العصر" وفيها لفظ الجمع بين الصلاتين، ولا يطلق هذا اللفظ إلا على وقوعهما في وقت واحد.
قال ابن قدامة: إن حمل الجمع بين الصلاتين على الجمع الصوري فاسد لوجهين: أحدهما أنه جاء الخبر صريحًا في أنه كان يجمعهما في وقت إحداهما والثاني أن الجمع رخصة، فلو كان ما ذكروه لكان أشد ضيقًا وأعظم حرجًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها. قال: ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب والعشاء والصبح قال: ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك. قال: والعمل بالخبر على الوجه السابق منه إلى الفهم أولى من هذا التكلف الذي يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمله عليه. اهـ.
وقال الخطابي: إن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكره الحنفية لكان أعظم ضيقًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة. اهـ.
ب- النقطة الثانية: الجمع في غير السفر:
والرواية الثامنة والتاسعة فيها "في غير خوف ولا سفر" والرواية الثالثة عشرة فيها "في غير خوف ولا مطر".
فالجمع في المطر قال به الشافعية بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء وقال أبو حنيفة وآخرون: لا يجوز الجمع بسبب المطر مطلقًا، وجوز الجمع بسبب المطر مالك وأحمد بين المغرب والعشاء دون الظهر والعصر، وقد سبق شرح هذه المسألة قبل باب واحد.
والمشهور عند الشافعية أنه لا يجوز الجمع بسبب المرض أو الريح أو الظلمة أو الخوف أو الوحل، وقال مالك وأحمد: يجوز الجمع بعذر المرض والوحل، وبه قال بعض الشافعية، وعلى هذا العذر حمل الحديث في الروايات الثامنة والتاسعة والثالثة عشرة، قالوا: ولأن حاجة المريض والخائف أشد من عذر المطر.
أما الجمع في الحضر بلا خوف ولا سفر ولا مطر ولا مرض فالمعتمد عند الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة عدم جوازه، وحكى ابن المنذر عن طائفة جوازه بلا سبب.
قال النووي في شرح مسلم: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك؛ وحكاه الخطابي عن القفال والشاش الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس:"أراد أن لا يحرج أمته" فلم يعلله بمرض ولا غيره. والله أعلم. اهـ.