(لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءًا) رواية البخاري "لا يجعلن أحدكم للشيطان شيئًا من صلاته" و"لا يجعلن" بنون التوكيد الثقيلة، وفي رواية للبخاري "لا يجعل" بدون النون، والمعنى: لا يمكن أحدكم الشيطان من أن يوسوس له في الأمر الآتي.
(لا يرى إلا حقًا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه) فاعل "يرى" يعود على "أحدكم" والمراد من الرواية الاعتقاد، و"حقًا" اسم "أن" و"أن لا ينصرف" خبر "أن" وأن الجملة بيان للجزء المنهي عن جعله للشيطان، وبحذف النفي والاستثناء يتضح المعنى، أي يعتقد أحدكم أن واجبًا عليه الانصراف من الصلاة إلى جهة يمينه.
(أكثر ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله)"ما" مصدرية والمعنى أكثر رؤيتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منصرفًا عن شماله، فجملة "ينصرف عن شماله" حال أغنت عن الخبر، كما في قولهم: أكثر أكلي السويق مطبوخًا.
(كيف أنصرف إذا صليت؟ )"كيف" في محل النصب على الحال والمعنى على أي حالة وأي جهة أنصرف من صلاتي؟ .
(أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه) قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون التيامن عند التسليم وهو الأظهر [يقصد أن يكونوا عن يمينه وهو في الصلاة مستقبل القبلة، فإذا سلم الأولى أقبل عليهم بوجهه قبل من هم عن شماله] لأن عادته صلى اللَّه عليه وسلم إذا انصرف أن يستقبل جميعهم بوجهه، قال: وإقباله صلى اللَّه عليه وسلم يحتمل أن يكون بعد قيامه من الصلاة، أو يكون حين يتنفل. اهـ.
فليس في الحديث دلالة على أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان ينصرف بعد صلاته من جهة اليمين.
-[فقه الحديث]-
في رواية عبد اللَّه بن مسعود:"أكثر ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله" وفي رواية السدي قول أنس: "أما أنا فأكثر ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه" وفي ظاهر هاتين الروايتين تعارض.
لهذا قال النووي: وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدل على جوازهما، ولا كراهة في واحد منهما.