ثانية هذه الخلال إكرام الضيف، وكل إنسان عرضة لأن يكون ضيفا في يوم من الأيام ينزل في بلد لا أهل له فيها ولا وطن، ولا وسيلة للعيش فمن له غير أخيه المسلم يضيفه ويكرمه؟ فتتوثق عرى المحبة بين المسلمين.
نعم إكرام الضيف من خلق النبيين، ومن شمائل المقربين، وقد ذكره الله لنبيه إبراهيم عليه السلام، على أنه مكرمة من مكارم الأخلاق، إذ قال {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم}[الذاريات: ٢٦، ٢٧]
وبعد هاتين الخلتين العمليتين بقيت خلة مكملة متممة لمن لم يتيسر له العمل بجوارحه لإكرام جاره وإكرام ضيفه، عليه أن يقول كلمة الخير، فالكلمة الطيبة صدقة، فإن لم تتيسر له كلمة الخير فليحبس لسانه، وليصمت عن الكلام، وليمسك عن الشر، فإن ذلك من الإيمان، ورحم الله عبدا تكلم فغنم، أو سكت فسلم.
-[المباحث العربية]-
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) جمع بين المبتدأ والمعاد، أي من جمع بين طرفي الإيمان.
(فليقل خيرا)"خيرا" صفة لمصدر محذوف، أي قولا خيرا، أو صفة لمفعول محذوف أي فليقل مقولا خيرا، وسيأتي بيان القول الخير في فقه الحديث.
(أو ليصمت) لام الأمر هنا مكسورة على الأصل، وفي الفعل السابق ساكنة. قال صاحب مغني اللبيب: اللام الموضوعة للطلب حركتها الكسر، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها. اهـ.
و"يصمت" بضم الميم مضارع صمت [بفتحها من باب دخل] صموتا، وحكي بكسر الميم في المضارع من باب ضرب "صمتا" وفي الرواية الثانية والثالثة "أو ليسكت" والمعنى واحد.
(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) كرره للإيذان بأن كل واحدة من الثلاث مستقلة بالطلب لا تابعة لأختها، وأن من كان هذا شأنه ينبغي أن يحصل كلا من الثلاث، وأن يحرص على كل منها باهتمام.
(فليكرم جاره) وفي الرواية الثالثة "فليحسن إلى جاره" والإكرام والإحسان شيء زائد على كف الشر، ومنع الأذى، الوارد في الرواية الثانية، ولفظها "فلا يؤذي جاره" وهي في أصول صحيح مسلم "فلا يؤذي" بالياء، على أن "لا" نافية، والجملة خبر في معنى النهي، وهو -كما قال العلماء- أبلغ من النهي الصريح، لأنه يشعر بأن النهي امتثل، وأصبح المنهي عنه منتفيا يخبر عنه بالنفي وعدم الوقوع.