وروي في غير مسلم "فلا يؤذ" بحذف الياء، على أن "لا" ناهية، وكلاهما صحيح وكثير، فقد قرئ بالجزم والرفع في قوله تعالى:{لا تضار والدة بولدها}[البقرة: ٢٣٣] وورد الجزم والرفع في الحديث "لا يبيع أحدكم على بيع أخيه".
(فليكرم ضيفه) لفظ "ضيف" يطلق على الواحد والجمع، وجمع القلة أضياف، وجمع الكثرة ضيوف وضيفان.
-[فقه الحديث]-
فائدة الترشيح بقوله "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" قبل الأوامر الثلاثة- التهييج وإثارة المشاعر لالتزامها والمحافظة عليها، فكأنه يقول: يا من تحليتم بشعار الإيمان بالله واليوم الآخر، ويا من وصلتم إلى هذه الدرجة من الطهر عليكم أن تكملوا أنفسكم باتباع هذه الأوامر، ولا تدنسوا هذا النقاء بنقائضها.
ونظير هذا الأسلوب قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}[المائدة: ١].
والحديث يتعرض لأوامر ثلاثة: إكرام الجار، وإكرام الضيف، ولزوم الصمت إلا عن الخير.
١ - أما إكرام الجار: فقد تقدم الزجر عن إيذائه، فالحديث السابق كالتخلية، وهذا الحديث بالنسبة للجار كالتحلية، وقد وصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار، فقال {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب}[النساء: ٣٦]. [أي الجار الذي بينك وبينه قرابة ورحم والجار الجنب أي الأجنبي] وهذا قول الأكثر، وقيل الجار القريب المسلم، والجار الجنب غير المسلم، وقيل: الجار القريب المرأة والجنب الرفيق في السفر.
وروى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب والمقيم، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها [المسلم العابد الصديق الغريب النافع القريب] ثم أكثرها وهلم جرا، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى فيعطى كل حقه حسب حاله.
والأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مستحبا، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق.
وكان الصحابة يحسنون إلى الجار الكافر، فقد روى البخاري في الأدب المفرد أن عبد الله بن عمرو لما ذبحت له شاة أمر أن يهدى منها لجاره اليهودي.