ويحصل إكرام الجار بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه وموعظته بالحسنى، والدعاء له.
وغير الصالح إكرامه - زيادة على ما سبق - كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وستر زلته، فإن أفاد فبها ونعمت، وإلا هجر بقصد تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب ليكف.
وأما الكافر فبوعظه وعرض الإسلام عليه وتبيين محاسنه والترغيب فيه برفق مع إرادة الخير للجميع، والدعاء بالهداية، وترك الإضرار.
٢ - وأما إكرام الضيف: فبالبشاشة في وجهه، والترحيب بقدومه، وإنزاله المكان اللائق به المقدور عليه، وتقديم المناسب له من الطعام والشراب.
وقد اختلف العلماء فيما يقدم للضيف، هل يقدم ما حضر، وما اعتاد أكله أهل البيت ولا يزاد؟ أو يتكلف له شيء من البر ويتحف زيادة على عادة البيت؟
والجمهور على أنه يتكلف له في اليوم الأول بالبر والألطاف، ويقدم له ما حضر دون تكلف في اليومين الثاني والثالث، أخذا من الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة" قال الخطابي: معناه: أنه إذا نزل به ضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يوما وليلة، وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره، فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه، فما زاد عليها مما يقدمه له يكون صدقة.
كما اختلفوا في الضيافة: هل هي واجبة أو مكرمة؟ فذهب الليث إلى أنها واجبة يوما وليلة، واستدل بحديث "ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم" وبحديث عقبة الذي رواه البخاري، قال عقبة:"قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا، فما ترى فيه؟ فقال لنا: إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف"، فظاهر الحديث أن قري الضيف واجب، وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذ منه قهرا.
وذهب الجمهور وعامة الفقهاء إلى أنها من آداب الإسلام، وهي سنة ومكرمة واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "جائزته يوم وليلة" والجائزة العطية والمنحة والصلة، وذلك لا يكون إلا مع الاختيار، كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "فليكرم ضيفه" و"فليحسن إلى ضيفه" إذ هذا الأسلوب لا يستعمل في الواجب، كما أن إكرام الضيف مضموم إلى إكرام الجار والإحسان إليه، وذلك غير واجب.
وأجابوا عن الحديثين اللذين استدل بهما الليث، بأن ذلك كان أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة ثم نسخ، أو أن ذلك في الضيف المضطر.
كما اختلفوا: هل الضيافة على أهل الحضر وأهل البادية جميعا؟ أو هي على أهل البادية خاصة؟