يمكن تقسيم الحديث إلى نقطتين أساسيتين: صلاة الليل، وصلاة الوتر.
وفي صلاة الليل تتعرض الأحاديث إلى حكمها، وفضلها، وعدد ركعاتها، وكيفية أدائها، وأفضل أوقاتها. وفي الوتر تتعرض الأحاديث لمثل ذلك.
فالباحث يجد الرواية التاسعة عشرة تحيل حكم صلاة الليل إلى سورة المزمل، وتنص على أن اللَّه عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا بصلاة الليل حولاً، اثنى عشر شهرًا - حتى أنزل اللَّه التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة.
وعن ذلك يقول النووي:"هذا ظاهره أنه صار تطوعًا في حق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والأمة. فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع. وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نسخه في حقه، والأصح عندنا نسخه، وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض السلف أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم ولو قَدْرَ حَلْبِ شاةٍ، فغلط ومردود بإجماع من قبله، مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس". اهـ.
وقد ترجم البخاري بباب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب.
قال الحافظ ابن حجر:"ولم أر النقل في القول بإيجاب قيام الليل إلا عن بعض التابعين. وقال ابن عبد البر: شذَّ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قَدْرَ حَلْبِ شاةٍ، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه". اهـ.
وفي الناسخ لفرضية قيام الليل بحث، فظاهر حديث عائشة أن النسخ بآخر سورة المزمل، وأنه نزل بعد حول، وهو قوله تعالى:{إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضًا حسنًا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}[المزمل: ٢٠].
ومقتضى ذلك أن النسخ وقع بمكة، لأن الإيجاب متقدم على فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء وكانت قبل الهجرة. وحكى الشافعي عن بعض أهل العلم أن آخر السورة نسخ افتراض قيام الليل إلا ما تيسر منه، لقوله:{فاقرءوا ما تيسر منه} ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس.
وقيل: إن النسخ وقع بالمدينة، وإن الآية التي نسخت الوجوب مدنية. ويستند لهذا الرأي بقول أبي جعفر النحاس: إن السورة مكية إلا الآية الأخيرة. وهو مخالف لما عليه المحققون من أن السورة كلها مكية. واللَّه أعلم.