يعهد وجود جرم ما في أذن من نام مع وجود الآلات التي تقيس وترى أدق الأشياء، وقيل: هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن صلاة حتى لا يسمع الذكر. وقيل: معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل لحجب سمعه عن الذكر. وقيل: كناية عن كمال تحكم الشيطان فيه. وقيل: كناية عن وسوسته وتزيينه النوم له وأخذه بأذنه وأخذه بسمعه عن أن يسمع النداء. وهذه الأقوال متقاربة، ومؤداها أن البول كناية عن السد والحجب، وأنه يتم ذلك قبل خروج الوقت، فهو شبيه بعقد العقد على القافية الآتي في الرواية الثالثة، وكأنه يسد الأذن ويغطي المخ.
وقيل: إن بول الشيطان كناية عن ازدراء الشيطان به. وقيل: معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول. وقيل: كناية عن سخرية الشيطان واستهزائه منه بعد أن ضحك عليه وأوقعه. وهي أقوال متقاربة، ومؤداها أن ذلك يتم بعد خروج الوقت وضياع الفرصة على النائم.
قال الطيبي: وخص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه، وخص البول لأنه أسهل مدخلا في التجاويف وأسرع نفوذًا في العروق. اهـ.
ومع أسلوب الكناية يكون التعبير بالبول في الأذن أدق في التصوير والتقبيح.
(طرقه وفاطمة) الطرق الإتيان بالليل. أي أتاهما ليلاً.
(فقال: ألا تصلون؟ ) عرض برفق، أو عتب برفق أن وجدهما نائمين لم يصليا صلاة الليل.
قال النووي: هكذا هو في الأصول "تصلون" وجمع الاثنين صحيح، لكن هل هو حقيقة أو مجاز؟ فيه الخلاف المشهور، والأكثرون على أنه مجاز. اهـ. أي إعطاء الاثنين حكم الأكثر لأنهما في قوة أمة، فكأنما شبهًا بالجماعة وأسند إليهما ما يسند إلى الجماعة.
(إنما أنفسنا بيد اللَّه) أي أرواحنا يقبضها الله عند النوم، يشير بذلك إلى قوله تعالى:{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى}[الزمر: ٤٢].
(سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}) قال النووي: المختار في معناه أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا، ولهذا ضرب فخذه. وقيل: قالها تسليمًا لعذرهما وأنه لا عتب عليهما. اهـ
وأعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعجب بالجواب ولم يقبل العذر، وإنما أسف للموقف الذي وقفه علي، ولم يرض بالعذر الذي اعتذر به، لأنه إهمال للأسباب، فكل حركة من حركاتنا بيد الله وبقدرته فلو اعتذرنا عن أي خطأ بهذا العذر لجاز جدلاً، لكنه لا يجوز عبادة وتكليفًا، وكان المطلوب من علي رضي الله عنه أن يعد بالاستجابة وأنه سيبذل جهده وأنه يطلب العون من الله، لا أن يحيل التقصير إلى إرادة الله. إن من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعرض عما لا يرضى، ومن حيائه وأدبه أن لا يواجه المقصر