بالمؤاخذة والتعنيف عملاً بقوله تعالى:{فأعرض عن من تولى عن ذكرنا}[النجم: ٢٩] وضربه على فخذه صلى الله عليه وسلم علامة من علامات الألم والغيظ المكظوم، وقراءته للآية الكريمة مسمعًا بها عليًا رد للموقف وإدانة له، لأن الآية تذم الإنسان ولا تمدحه، وتشير إلى أنه يدافع عن خطئه بالجدل لا بالحجة والحق والبرهان.
(عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) هذه العبارة عبارة رفع للحديث عند جمهور المحدثين، وكأنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد) قافية الرأس مؤخره، وهي إشارة إلى المخ ومركز الإدراك والتعقل، وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة. والخطاب في "أحدكم" للتعميم في المخاطبين ومن في معناهم، ويخص من هذا العموم الأنبياء ومن قيل فيهم:{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}[الحجر: ٤٢].
وقد اختلف في هذه العقد، قال الحافظ ابن حجر: فقيل: هو على الحقيقة وأنه كما يعقد الساحر من يسحره فيأخذ الخيط فيعقد عليه عقدًا وهو يتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور بذلك، ومنه قوله تعالى:{ومن شر النفاثات في العقد}[الفلق: ٤] وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس، لا قافية الرأس نفسها، وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره؟ الأقرب الثاني إذ ليس لكل أحد شعر. اهـ وهذا القول أبعد ما يكون عن القبول، فكما استبعد الحافظ الشعر لوجود من لا شعر له كان الواجب أن يستبعد عقد شيء لا وجود له إلا في الخيال، فقول الحافظ بعد ذلك - ويؤيده ما ورد في بعض طرقه - أن على رأس كل آدمي حبلاً. هذا الحبل لا وجود له إلا في الخيال، فإذا تخيلنا حبلاً تخيلنا شعرًا لمن لا شعر له، فالحق أن الحمل على الحقيقة بعيد.
والحق أن الكلام كناية وتصوير لوساوس الشيطان وتزيينه وتغريره بطول الوقت، وانحلال العقد كناية عن مكافحته ودفع وساوسه، والمقصود من كون العقد ثلاثًا تقوية الإغواء فكأنه إغواء بعد إغواء.
(إذا نام) أي إذا نام بدون صلاة، هكذا قيده البخاري، ويرى جمهور شراح الحديث أن القيد يخل بالمراد، والمقصود أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصل، لكن من صلى بعد ذلك تنحل عقده بخلاف من لم يصل. كذا ذكر الحافظ ابن حجر. وأرى أن القيد ضروري، لأن الشيطان يعقد بهدف المنع من القيام للصلاة، فإذا كان النائم قد صلى ما عليه من العشاء وما أحب من صلاة الليل وأوتر ونام فلم يعقد عليه الشيطان؟ ثم إنه لن يصلي مادام قد صلى فكيف تنحل العقد والنص أنها تنحل بالصلاة؟ .
(بكل عقدة يضرب عليك ليلاً طويلاً) رواية البخاري: "يضرب على مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد". قال الحافظ ابن حجر: يضرب أي بيده على العقد تأكيدًا وإحكامًا لها، قائلاً: عليك ليل طويل. وكما استبعدنا المعنى الحقيقي في العقد نستبعد الضرب المادي. ونرى أن الكلام كناية عن إحكام الوسوسة وإتيانها والإيحاء للنائم بطول الوقت.