ورواية البخاري:"عليك ليل طويل" بالرفع، ورواية مسلم بالنصب، فالرفع على أنه خبر مقدم ومبتدأ مؤخر وصفة لمبتدأ، والنصب على الإغراء أي الزم ليلاً طويلاً عليك، ومراد الشيطان من هذه العبارة تسويفه بالقيام والإلباس عليه، إذ ربما لو طلب منه عدم القيام كليًا لدافع المؤمن هذه المكيدة، أما أن يستدرجه شيئًا فشيئًا فربما أو كثيرًا ما ينخدع المؤمن. فكأنه يقول له: قم بعد قليل فمازال الليل طويلاً. قم بعد قليل. قم بعد قليل، وبهذا الاستدراج يصل إلى ما يريد.
(وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان) أي انحلت عقدة ثانية فصار مجموع ما انحل عقدتين.
(فإذا صلى انحلت العقد) بضم العين وفتح القاف على صيغة الجمع ولم يقل "انحلت عقدة ثالثة" لإفادة أن المتطهر النائم الممكن مقعده من الأرض الذي لا يحتاج إلى وضوء تنحل عقده بمجرد الصلاة.
(فأصبح نشيطًا طيب النفس) لسروره بما وفقه الله من الطاعة، وسروره بالثواب الموعود، وسروره بإحباط كيد عدوه مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه بانشراح صدر واطمئنان نفس.
(وإلا) أي وإن لم يقم ويتوضأ ويصلي وتنحل عقده، ولو أتى ببعضها وترك بعضها بقي خبيث النفس كسلان، لكنه يختلف عمن لم يأت بشيء منها بالقوة والضعف. قاله الحافظ ابن حجر.
(أصبح خبيث النفس كسلان) لاستيلاء الشيطان عليه، و"كسلان" ممنوع من الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون.
-[فقه الحديث]-
الهدف من الأحاديث الثلاثة الحث على صلاة الليل، وقد ادعى ابن العربي أن البخاري أومأ إلى وجوب صلاة الليل لقوله:[باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل].
قال الحافظ ابن حجر: ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة. والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه.
وظاهر الحديث يتعارض مع حديث البخاري في الوكالة وفيه:"أن قارئ آية الكرسي عند نومه لا يقربه الشيطان". ورفع هذا التعارض بحمل العقد على الأمر المعنوي والقرب على الأمر الحسي أو العكس، إذ لا يلزم من الوسوسة الملامسة، كما يمكن رفع التعارض بتخصيص العموم في حديث الباب بمن لم ينو القيام وبمن لم يقرأ آية الكرسي، ولهذا قيل: إن أبا بكر وأبا هريرة كانا رضي الله عنهما يوتران أول الليل وينامان آخره، فمثلهما لا يعقد الشيطان على قفاه، فكأن المعنى يعقد الشيطان على قافية من نام منكم دون أن يصلي.
كذلك وصف المسلم الذي يغلبه الشيطان بخبث النفس في الحديث يتعارض مع قوله صلى الله