للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتطبيقًا وتنفيذًا لهذه الرحمة الإلهية ترفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمة، ودعا المشددين على أنفسهم أن يرفقوا بها وأن لا يبالغوا في العبادة، فقال للنفر الثلاثة الذين عزموا على قيام الليل وصيام الدهر والبعد عن النساء: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني." وهنا يرى صلى الله عليه وسلم زوجه السيدة زينب بنت جحش وقد وضعت حبلاً تتعلق به ويمنعها من النوم أثناء قيامها بالليل، فيقول: حلوه، ليصل أحدكم مادام نشيطًا، وليترك الصلاة إذا فتر، لا تكلفوا أنفسكم من العبادة إلا ما تطيقون، فإن الله لا يحب العبادة مع الملل ولا يثيب عليها الثواب الكريم. وهكذا يحث صلى الله عليه وسلم أمته أن لا يشقوا على أنفسهم فلا يتشدد في الدين أحد إلا غلبه، وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. فليتعبد المؤمن بما لا يشق عليه وعلى الله القبول.

-[المباحث العربية]-

(وكان يحجره من الليل) بضم الياء وفتح الحاء وبالجيم المشددة المكسورة. وضبطه بعضهم بفتح الياء وسكون الحاء وضم الجيم أي يتخذه حجرة أو يقيمه حجرة.

(فثابوا ذات ليلة) أي رجعوا إلى التجمع.

(عليكم من الأعمال ما تطيقون) بضم التاء من أطاق بمعنى قدر، وليس المعنى ما تطيقونه، بل المعنى ما تطيقون الدوام عليه بلا ضرر ومشقة وحرج. و"عليكم" اسم فعل أمر بمعنى الزموا.

(فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا) الملل السآمة، أو فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء، فيوجب الكلال في الفعل والإعراض عنه، يقال: مل يمل بفتح الميم فيهما، وفي الرواية السادسة: "لا يسأم حتى تسأموا". وهما بمعنى.

والملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال على الله تعالى، فيجب تأويله في جانبه تعالى. قال النووي: قال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم [هذه عبارته وكان الأولى أن يقول: لا يقطع أو لا ينقص عنكم ثوابه حتى تملوا وتسأموا ويذهب نشاطكم، وهذا المعنى في غاية الحسن، وفيه التنفير من العبادة مع السآمة حيث تصبح بعيدة عن الأجر المحبوب، ويقوي هذا المعنى ما رواه الطبري في تفسير سورة المزمل بلفظ: "إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل". فسمى قطعه تعالى للثواب أو إنقاصه مللاً على طريق المشاكلة لمجيئه لفظًا في صحبة ما هو ملل حقيقة] وقيل: معناه لا يمل إذا مللتم. وقاله ابن قتيبة وغيره، وحكاه الخطابي، قالوا: ومثاله قولهم في البليغ: فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه، معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه. ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره. انتهى من النووي.

<<  <  ج: ص:  >  >>