للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الروايات في البخاري، وكذا في أكثر الروايات في غيره، ويؤيده ما وقع في رواية أبي عبيد في الغريب بعد قوله: "كيت وكيت" "ليس هو نسي ولكنه نسي" الأول بفتح النون وتخفيف السين والثاني بضم النون وتشديد السين. قال القرطبي: التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره. قال: ومعناه في التخفيف - أي في تخفيف السين المكسورة مع ضم النون - أن الرجل ترك غير ملتفت إليه، وهو كقوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} [التوبة: ٦٧] أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة.

(استذكروا القرآن) أي واظبوا على تلاوته، واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به. قال الطيبي: وهو عطف من حيث المعنى على قوله: "بئسما لأحدهم يقول" أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه.

(فلهو أشد تفصيًا من صدور الرجال) اللام لام جواب القسم المحذوف. و"تفصيًا" بفتح التاء والفاء وكسر الصاد المشددة بعدها ياء مخففة، أي تفلتًا وتخلصًا، كما جاء في الرواية السابقة: "لهو أشد تفلتًا".

(من النعم بعقلها) بضم العين والقاف، ويجوز سكون القاف، جمع عقال ككتاب وكتب، وهو الحبل، روي: "في عقلها" وروي: "من عقلها". قال القرطبي: من رواه: "من عقلها" فهو على الأصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفلت. وأما من رواه بالباء أو الفاء فيحتمل أن يكون بمعنى "من" أو للمصاحبة أو الظرفية. والنعم أصلها الإبل والبقر والغنم، والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل، وفي الرواية الخامسة: "من النعم من عقله" بالتذكير، وهو صحيح فإن النعم تذكر وتؤنث.

-[فقه الحديث]-

تصرح الرواية الخامسة بالنهي عن قول: "نسيت آية كذا". وتذم الرواية الرابعة والسادسة هذا القول، ومع ذلك يتفق العلماء على أن الحكم هو كراهة التنزيه فقط، واختلفوا في متعلق الذم وحكمة النهي على أوجه ذكرها الحافظ ابن حجر نجملها فيما يأتي:

الوجه الأول: قيل: أراد أن يجري على ألسن العباد نسبة الأفعال إلى خالقها وذلك أولى من نسبة الأفعال إلى مكتسبها، وخصوصًا أن النسيان لا صنع للإنسان فيه، لأنه عارض للإنسان لا عن قصد منه، لأنه لو قصد نسيان الشيء لكان ذاكرًا له في حال قصده، فكيف ينسبه إلى نفسه فيوهم أنه انفرد بفعله؟ ويبعد هذا الوجه أن موسى عليه السلام أضاف النسيان إلى نفسه في قوله: {لا تؤاخذني بما نسيت} [الكهف: ٧٣] وأضافه يوشع إلى نفسه حين قال: {فإني نسيت الحوت} [الكهف: ٦٣] وقال الصحابة - كما يحكي عنهم القرآن الكريم: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: ٢٨٦] وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب النسيان إلى نفسه في باب سجود السهو حين سلم من ركعتين في رباعية، فلما ذكر قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني". ورواية تخفيف السين في "أنسى" قوية ومشهورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>