وفي الحث على تحسين الصوت بالقرآن أحاديث كثيرة، ضعيفها يتقوى بصحيحها، فقد روى الطبري: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي في الترنم بالقرآن". وروى ابن أبي شيبة: "تعلموا القرآن وغنوا به وأفشوه". وعند أبي عوانة: "فإن لم تبكوا فتباكوا". وكان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين القوم.
وقد روي: "زينوا القرآن بأصواتكم". رواه ابن حبان. وفي رواية: "حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا". وهكذا حرص صلى الله عليه وسلم على تحسين الصوت بقراءة القرآن مع حسن الأداء والتزام قواعد الترتيل الصحيح.
-[المباحث العربية]-
(عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفعه ويسنده إليه، كأنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ما أذن الله لشيء) "ما" نافية، و"أذن" بفتح الهمزة وكسر الذال يطلق بالاشتراك اللفظي على معنيين: الأول: السماح والإطلاق والإباحة، والمصدر الإذن بكسر الهمزة وسكون الذال، وليس هذا المعنى مرادًا هنا كما يقول كثير من العلماء، ولم يستبعده الحافظ ابن حجر تبعًا للقاضي عياض الذي وجهه بأن المراد منه الحث على ذلك والأمر به.
المعنى الثاني: من المشترك اللفظي الاستماع والإصغاء، ومنه قوله تعالى: {وأذنت لربها وحقت} [الانشقاق: ٢] والمراد لازم الاستماع من الاستجابة والطواعية، ومصدره الأذن بفتح الهمزة والذال. قال القرطبي: أصل الأذن بفتحتين أن المستمع يميل إلى جهة من يسمعه. اهـ.
ويرجح ويقوي إرادة هذا المعنى هنا ما أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه: "لله أشد أذنًا [أي استماعًا] إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته". والإصغاء بمعنى ميل الأذن لا يسند إلى الله تعالى على الحقيقة، وإنما المراد به لازمه من إكرام القارئ وإجزال ثوابه.
وقوله في روايتنا: "لشيء" بالشين يتناول العقلاء وغير العقلاء، لكنه في البخاري في أكثر نسخه بلفظ: "لنبي" بالنون والباء وفي رواية: "للنبي" بزيادة لام مع النون والباء والكل صحيح.
(ما أذن لنبي) "ما" مصدرية، أي إذنه لنبي، وفي الكلام تشبيه، أي كإذنه لنبي، وهو لفظ روايتنا الثالثة.
(يتغنى بالقرآن) يطلق التغني والتغاني على الاستغناء، ومنه قول الشاعر:
كلانا غنى عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيًا
ويقال: تغنى بكذا عن كذا. فالمعنى يتغنى بالقرآن عما سواه من العبارات.