ويطلق التغني على تحسين الصوت، وسياق الحديث يأبى الحمل على الاستغناء، لأن قوله في الرواية الثانية:"لنبي حسن الصوت". وفي الرواية الثانية والثالثة:"يجهر به". قرينة مانعة من إرادة المعنى الأول معينة للمعنى الثاني وسيأتي في فقه الحديث مزيد من الإيضاح للمراد.
(إن عبد اللَّه بن قيس أو الأشعري) هو أبو موسى الأشعري الصحابي الجليل عضو التحكيم من جانب علي رضي الله عنه.
(أعطي مزمارًا من مزامير آل داود)"المزمار" بكسر الميم الآلة المعروفة والمراد هنا الصوت الحسن، من إطلاق المؤثر وإرادة الأثر مجازًا مرسلاً.
ولفظ:"آل" في "آل داود" قيل: مقحمة. وقيل: إن آل فلان قد يطلق على فلان نفسه. وعلى كل فالمراد من "آل داود" داود نفسه، لأنه لم ينقل أن أحدًا من أولاد داود ولا من أقاربه كان قد أعطي من حسن الصوت ما أعطي. كذا قال الحافظ ابن حجر وغيره من العلماء.
ولست أرى بعدًا أن يكون المراد آل داود، فإن حسن الصوت كثيرًا ما يكون وراثيًا، ويكون في أسرة أبرز منه في أسرة أخرى، وليس شرطًا أن ينقل وقوع ذلك في أسرة داود، وإنما الشرط أن لا ينقل نقيضه، فيكون هذا النقل قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، أما أنه لم ينقل أن أحد أقاربه قد أعطي من حسن الصوت ما أعطي داود فهو مسلم، لكن التشبيه في الحديث ليس بين صوت أبي موسى وبين صوت داود نفسه، إذ شتان بين الصوتين، فقد أثر أن الطير والوحش كانت ترقص عند سماع صوته عليه السلام، فيكفي تشبيه صوت أبي موسى بأقارب آل داود، ولا داعي للتأويل، وعدم النقل لا ينفي الوقوع.
(لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة) أي الليلة البارحة، أي الماضية، و"لو" يصح أن تكون شرطية وجواب الشرط محذوف، تقديره لسررت بسروري، ويصح أن تكون للتمني، أي كنت أتمنى أن تراني مسرورًا بسماع قراءتك، والأظهر أن المراد من الاستماع الإصغاء، لا مجرد السماع.
(على راحلته) المراد ناقته كما في الرواية السابعة.
(فرجع) بتشديد الجيم، وأصل الترجيع الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق وإعادته، ومنه الترجيع في الأذان في الشهادتين.
والمراد منه هنا ما فسره في البخاري في كتاب التوحيد بقوله:(آاأ) بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى، ثم قالوا: يحتمل أمرين: أحدهما: أن ذلك حدث من هز الناقة. والآخر أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك. قال الحافظ ابن حجر: وهذا أشبه بالسياق، وسيأتي في فقه الحديث مزيد لإيضاح ذلك.
(لولا الناس لأخذت لكم بذلك الذي ذكره ابن مغفل) أي لحكيت لكم ما حكاه لي ابن مغفل حكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخوف من الناس من اجتماعهم مستغربين.