ونرى الإمام النووي يقول في "التبيان": أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفًا أو أخفاه حرم.
وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب "الذخيرة" من الحنفية: إن لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب، وإلا فلا.
قال الحافظ ابن حجر: الذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن القارئ حسن الصوت فليحسنه ما استطاع، كما قال ابن مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح، ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم، فإن حسن الصوت يزداد حسنًا بذلك، وإن خرج عن قوانين النغم أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاة قوانين النغم ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، فإن وجد من يراعيهما معًا فلا شك في أنه أرجح من غيره، لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء. انتهى. وهو كلام نفيس يجب على المحقق الحرص عليه. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ذلك: ]-
١ - من الرواية الرابعة والخامسة منقبة وفضيلة لأبي موسى الأشعري.
٢ - واستحباب الإصغاء إلى سماع الصوت الحسن في القرآن الكريم.
٣ - ومن الرواية الثانية والثالثة استحباب الجهر بقراءة القرآن.
٤ - وفيه دلالة بينة على أن القراءة غير المقروء.
٥ - ومن الرواية السادسة والسابعة استحباب القراءة على الدابة. قال ابن بطال: القراءة على الدابة سنة موجودة، وأصل هذه السنة قوله تعالى: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: ١٣، ١٤] وكرهه بعضهم، وهو شاذ.
٦ - واستحباب الترجيع. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن في الترجيع قدرًا زائدًا على الترتيل، فعند أبي داود عن علقمة قال: "بت مع عبد الله بن مسعود في داره فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه، لا يرفع صوته، ويسمع من حوله، ويرتل، ولا يرجع وقال الشيخ ابن أبي جمرة: معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة.
٧ - وملازمته صلى الله عليه وسلم للعبادة، لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة.
٨ - وفيه إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار، وهذا عند التعليم وإيقاظ الغافل ونحو ذلك: ذكره الحافظ ابن حجر.