للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المذكورة، وهو أنه يحسن به صوته، جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزن، مستغنيًا به عن غيره من الأخبار، طالبًا به غنى النفس، راجيًا به غنى اليد. اهـ.

وقد وضعت أحاديث الباب هنا تحت عنوان: استحباب تحسين الصوت بالقرآن، ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب تفيد ذلك، ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم، لأن للتطريب تأثيرًا في رقة القلب وإجراء الدمع وحسن الفهم والتدبر.

والظاهر أن المحققين فرقوا بين القراءة بالألحان وبين تحسين الصوت بالقراءة فأطلقوا القراءة بالألحان على التمطيط المفرط المعتمد على نغمات الصوت الذي يؤدي إلى زيادة حرف أو إخفاء حرف أو زيادة مد يشوش النظم أو خطف المد، والعرف في أيامنا يؤيد هذا الإطلاق، فتلحين الأغاني مثلاً يعتمد النغم والإيقاع والترقيق والتفخيم والمد في غير موضعه، فنراه مثلاً حين يلحن: فإذا سخوت بلغت بالجود المدى = يلحنه إلى: فإذا سخاوت بلغت بالجود المدى، وهذا النوع بلا خلاف لا يليق بقراءة القرآن، وهو محرم أو مكروه حسب درجة الخروج عن الأداء الصحيح، أما المحافظة على الأداء الصحيح مع الصوت الحسن فهي مستحبة اتفاقًا سواء سميناها ألحانًا أم لا، ونتيجة لخفاء هذه التفرقة بين القراءة بالألحان وبين تحسين الصوت بالقراءة عند البعض جاءت أقوالهم ظاهرة التضارب أو بعيدة عن الحق والصواب، فقد يطلق الألحان ويريد تحسين الصوت، وقد يطلق تحسين الصوت ويريد الألحان، وننقل أقوالهم ثم نعقب بالتحقيق.

قال الحافظ ابن حجر: كان بين السلف اختلاف في جواز القراءة بالألحان [الحقيقة أن الاختلاف مبناه تحديد مفهوم الألحان] أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك.

حكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان، وحكى أيضًا عن جماعة من أهل العلم.

حكى ابن بطال وعياض والقرطبي من المالكية، والماوردي والغزالي وغيرهما من الشافعية وبعض الحنفية القول بكراهة القراءة بالألحان.

وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين جواز القراءة بالألحان. وهو المنصوص للشافعي، ونقله الطحاوي عن الحنفية.

ونقل عن بعض الشافعية القول بالجواز بل الاستحباب. اهـ.

ونص الشافعي في موضع على كراهة القراءة بالألحان. ونص في موضع آخر على أنها لا بأس بها.

وهذا الاختلاف في الحكم أساسه الاختلاف في حقيقة المحكوم عليه لهذا نرى أصحاب الشافعي يدافعون عنه ويقولون: ليس على اختلاف قولين، بل على اختلاف حالين، فإن لم يخرج بالألحان على المنهج القويم جاز وإلا حرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>