لقد قال كافرهم حين سمعه: واللَّه إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق. وكل كلام يعاد ويتكرر يمل ويضعف إلا القرآن الكريم لا يخلق على كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، يزيده حلاوة وطراوة صوت حسن، وتلاوة دقيقة رقيقة، وإذا كان هذا أثره في البشر فما بالنا بأثره في ملائكة اللَّه؟
لقد كان أسيد بن حضير الصحابي الجليل ذو الصوت الحسن الرقيق يقرأ القرآن في منزله في جوف الليل وقد ربط فرسه في مربطه بحبل مزدوج، لأنه فرس جموح، ونام ابنه يحيى على الأرض قريبًا من الفرس، وجلس أسيد أو قام يصلي في مكان قريب من ابنه، في حائط صغير يتخذ مخزنًا للتمر يجفف فيه ويحفظ، وما كان لهم بيوت بحجرات ولا فرش وأسرة، وفي هدوء الليل وروعته تجلجل صوت أسيد بن حضير بالقرآن الكريم وسورة البقرة والكهف، وسمعت ملائكة اللَّه الصوت الرقيق بالقرآن الكريم فتنزلت له من قرب، حتى دنت من الفرس، ورآها الفرس كأن سحابة تهبط عليه فنفر وأخذ يضرب الأرض بقوائمه ويشيح ذات اليمين وذات الشمال بعنقه ورأسه ويحاول الجري والفرار خوفًا ورعبًا. سكت أسيد عن القراءة فهدأ الفرس، وسكن كأن السحابة تلاشت حين سكت، فقرأ فنفر الفرس، وسكت فسكن الفرس، فقرأ فهاجت. عجبًا يرى ظلة فيها مصابيح تدنو وتقرب والفرس يحس بها ويراها وينفر. والولد قريب من الفرس، يخشى عليه أن تطأه بحوافرها أثناء جموحها. لقد دفعته عاطفة الأبوة أن يرفع ولده ويبعده عن الفرس ثم يعود للقراءة. لكنه - وا أسفاه - ما إن قام نحو ابنه حتى رأى الظلة تعرج وتمضي نحو السماء حتى اختفت عن ناظريه. فأصبح يحدث رسول اللَّه بهذا الأمر العجيب، فقال له صلى الله عليه وسلم: ليتك مضيت في القراءة حتى الصباح، إنها السكينة والملائكة جاءت تستمع لقراءتك، ولو بقيت حتى الصباح تقرأ لبقيت مشغولة بالسماع لا تتستر حتى يراها الناس.
-[المباحث العربية]-
(كان رجل) الظاهر أنه: أسيد بن حضير المصرح به في الرواية الثالثة. قال الحافظ ابن حجر: وقد وقع قريب من ذلك لثابت بن قيس بن شماس.
(عنده فرس مربوط) الفرس يقع على الذكر والأنثى، فهو في هذه الجملة مذكر، وفي جملة "إذ جالت فرسه" في الرواية الثالثة مؤنث.