تركوه مداهنة للرؤساء، وطلبا للمنزلة عندهم، وابتغاء رضاهم، للوصول إلى عرض زائل حقير، ونسوا أن الأمر كله لله، وأنه لو اجتمع أهل السماء والأرض على أن ينفعوا لم ينفعوا إلا بشيء قد كتبه الله.
نرى في المساجد المسيئين في صلاتهم ثم لا نكترث بنصحهم، ونسمع الغيبة والنميمة عشرات المرات في اليوم الواحد ونبتسم لقائلها، ونرى المتسكعين في الطرقات من الشباب يعاكسون الفتيات، فنهز أكتافنا ثم نمضي كأنه لا يعنينا، وأصبح عري النساء، وكشفهن العورات ومواطن إثارة الغرائز وضعا مألوفا، والاحتشام والتستر أمرا غريبا، بل أصبحت القوانين المدنية تدعو إلى عدم التعرض للمنكر الذي حصل بتراضي الطرفين، ولا شك أن عدم التعرض للمنكر منكر، فهي صراحة تأمرنا بالمنكر وتنهانا عن المعروف.
وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بما نحن عليه اليوم، إذ قال لأصحابه:"كيف أنتم إذا طغى نساؤكم، وفسق شبابكم، وتركتم جهادكم؟ " قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال:"نعم. والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون". قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال:"كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ "قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال:"نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون". قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال:"كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا، والمنكر معروفا؟ " قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال:"نعم. والذي نفسي بيده. وأشد منه سيكون". قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال:"كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ " قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال:"نعم".
وقد تحققت كل هذه المساوئ في زماننا فاستنصرنا ولم ينصرنا الله، ودعا خيارنا فلم يستجب لهم، وسلط الله علينا من لا يوقر كبيرنا، ولا يرحم صغيرنا، ولا يصون أعراضنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا سلامة إلا بالرجوع إلى دين الله، وكلنا راع وكلنا مسئول.
فاللهم اكشف عنا الغمة، واهدنا سواء السبيل، إنك رءوف رحيم.