للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نعم إن علم منكرا يجب إدراك خطره وهو قادر على دفعه، جاز له التجسس ثم اقتحام الدار، وفي هذا يقول الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها، لأمارة وآثار ظهرت، فذلك ضربان: أحدهما أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث، حذرا من فوات ما لا يستدرك.

الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه، ولا كشف الأستار عنه، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار، ولم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن.

وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أمور منها:

١ - أن يكون رفيقا في دعوته ليكون أدعى إلى القبول، فقد قيل: إن المأمون وعظه واعظ، فعنف في القول، فقال له: يا رجل. ارفق، فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، وأمر بالرفق فقال: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} [طه: ٤٤].

٢ - وأن يكون مسرا بإنكاره، فقد قال الشافعي: من وعظ أخاه سرا نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.

٣ - وألا يسرف في الكلام والوعظ لئلا ينفر المرتكب.

٤ - وأن يكون حليما صبورا يتحمل جهل الجاهل وسفهه، ولذلك قرن الله الصبر بالأمر بالمعروف، فقال حاكيا عن لقمان: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} [لقمان: ١٧].

٥ - وأن يكون على جانب طيب من حسن الخلق، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وهداية الغير فرع هداية النفس، ولا يستقيم الظل والعود أعوج.

هذا وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم القدر، جليل الشأن، بالغ النفع، شديد الخطر، به كانت الأمة الإسلامية خير أمة، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: ١١٠] وبسبب التقصير غضب الله على اليهود وجعل منهم القردة والخنازير قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: ٧٨، ٧٩].

وقد قلت عناية المسلمين به في هذا العصر، حتى ندر منهم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، جبنا من السطوة حينا، وحرصا على الدنيا أحيانا، تركوه خوفا على الصداقة والمودة، ونسوا أن المودة توجب حقا وحرمة، وحقها النصح والهداية إلى سواء السبيل، وحرمتها الإنقاذ من النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>