للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمتع من الصبية والجواري والشباب والشابات من أن يتمتعوا ويمرحوا وينعموا باللهو واللعب والأغاني إلى حد ما.

نعم. ما أعظم سمو الإسلام، وما أجمل سماحته ويسره ورقته وعطفه. يتجلى هذا في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهله يوم العيد، وفي معاملته لعائشة بالذات -رضي الله عنها-، لقد تزوجها صغيرة، فقدر حاجتها إلى هذا اللون من الحياة كان يراها تلعب بالصلصال، وترسم به البيوت والحيوان، فيضاحكها ويبتسم ويدخل عليها في أيام العيد، في أيام التشريق، فيجد معها جاريتين تضربان الدف وتغنيان، وعائشة تسمع وتنتشي وتهتز طرباً وسروراً، فلا يلتفت إليهن لئلا يحرجهن، ويعرض عنهن حتى يتيح لهن المضي في لهوهن، وينتحي ناحية من البيت، ينام فيها على فراشه بعيداً عنهن، ويغطي رأسه ووجهه حتى لا يسمع الطبل والغناء.

ويدخل أبو بكر أبوها، وهو يعلم قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يكون عليه حال بيته من الإجلال والوقار، فيرى الجاريتين، ويسمع الدف والغناء فينهر عائشة ويزجر الجاريتين، مزمارة الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا لا يليق، ويكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه، ويوجه اللوم إلى أبي بكر، دعهما يا أبا بكر، فلكل قوم عيد، واليوم من أعيادنا، ويغتفر في الأعياد ما لا يغتفر في غيرها، وينشغل أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنتهز عائشة هذه الفرصة فتغمز الجاريتين فتنصرفان.

ألا يعجب أعداء الإسلام إلى هذا الجمع بين السماحة وبين الوقار والالتزام؟ حقاً إنه الإسلام.

ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بالاستجابة إلى رغبة زوجته، وبالإغضاء عن لهوها في بيت النبوة، بل يتجاوز ذلك إلى أن يدعوها لرؤية اللهو وسماعه ويشجعها ويساعدها عليه.

سمع في يوم عيد صوت صبيان فنظر من باب بيته نحو الصوت، فرأى رجالاً من الحبشة يلعبون بالعصى، كأن بعضهم يضرب بعضاً ويحاول المضروب أن يحمي نفسه من العصا بعرض عصاه وهي لعبة معروفة في البلاد، يرى ذلك فينادي عائشة: هل تحبين رؤية الحبشة يرقصون ويلعبون بالعصى؟ فتقول: نعم أحب ذلك. فيقول لها: تعالى، وقفي ورائي، وانظري وأنت تتسترين بي، فتضع رأسها على كتفه، وخدها على خده، تنظر إلى الحبشة من بين كتفه وأذنه صلى الله عليه وسلم، فإذا طال الوقت سألها: أيكفيك ذلك؟ فتقول: لا تعجل، فإني ما زلت أرغب، فينتظر ثم يقول: أيكفيك ذلك؟ فتقول: لا تعجل، فما زلت أرغب، فينتظر حتى تسأم هي، وتطلب الانصراف، فينصرف بها صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أم المؤمنين عائشة وعن الصحابة أجمعين.

-[المباحث العربية]-

(وعندي جاريتان من جواري الأنصار) الجارية في النساء كالغلام في الرجال، يقال على من دون البلوغ فيهما، وتطلق الجارية على الحرة أو الأمة. أما الجاريتان هنا فكانتا أمتين، فقد جاء في رواية الطبراني من حديث أم سلمة أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت.

<<  <  ج: ص:  >  >>