١٨١١ - عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور".
-[المعنى العام]-
نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، وصدق الله العظيم حين يقول:{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}[النحل: ١٨]. وحين يقول:{وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة}[لقمان: ٢٠]. ولكن الإنسان ينسى المنعم في الوقت الذي يتمتع فيه بنعمه، ويحسبها أحياناً وجهلاً أنها من حقه أو من كده وجهده، ولا يعترف بالحقيقة ولا يحس بقيمة النعمة إلا عند فقدها، وقديماً قيل: الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.
عندئذ يلجأ إلى ربه ويدعوه ويستغيث به، وصدق الله العظيم حيث يقول:{وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون}[النحل: ٥٣، ٥٤]. وحيث يقول:{وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل}[الزمر: ٨]. وحيث يقول:{ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور}[هود: ٩]. نعم شاءت رحمة الله بعباده أن يذكرهم بنعمه بين الحين والحين بحجبها حجب نقصان {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}[الشورى: ٣٠] شاءت رحمة الله بعباده أن يعيدهم إليه بعد ابتعاد، ويلجئهم إلى دعائه وندائه بعد نسيان، وأن يذكرهم بنعمه عن طريق الفقدان، إذ ليس من مصلحتهم دوام النعمة وبسطها {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير}[الشورى: ٢٧] ومن مظاهر هذه الحكمة الجدب بعد الرخاء، والقحط بعد الغيث، ثم تعود الرحمة بالمطر.
إن الذين يعيشون على الغيث، وتقوم حياتهم على المطر يحسون الحاجة إليه أكثر من غيرهم، ويشعرون بتأخيره يوماً أو أياماً عن موعده ويتحرقون انتظاراً له، وهكذا كثير من أهل الأرض، ومن يستطيع إنزال المطر غير الله؟ {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}[الشورى: ٢٨].
لقد قحط العرب، وأجدبت أرضهم، وهلكت مواشيهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب من ربه رفع البلاء، وإنزال الغيث، ولم يشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسارع بالدعاء قبل أن يستغيث الناس ويشعروا بالحاجة، ويعودوا إلى ربهم، ويحاسبوا أنفسهم، لقد صبر وصابر وهو يحس