تؤمنوا، لأن ما بعدها وهو الإيمان ليس غاية لما قبلها وهو دخول الجنة، ولا مسببا عنه، حتى تكون للغاية أو للتعليل، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة.
(ولا تؤمنوا حتى تحابوا) هكذا هو في جميع الأصول والروايات "ولا تؤمنوا" بحذف النون من آخره، قال النووي: وهي لغة معروفة صحيحة، وفي حاشية الصبان على الأشموني: أن نون الأفعال الخمسة قد تحذف في حالة الرفع بقلة كقول الشاعر:
أبيت أسرى وتبيتي تدلكي
وجهك بالعنبر والمسك الذكي
(أولا أدلكم على شيء) أصل الكلام: وألا أدلكم، وأصل "ألا" همزة الاستفهام و"لا" التي للنفي، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد التحقيق فقدمت الهمزة على الواو لأن لها الصدارة.
(إذا فعلتموه تحاببتم) "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه، والتقدير: تتحابون حين فعلكم له، وجملة الشرط والجواب صفة "شيء".
(أفشوا السلام بينكم) الإفشاء هو الإظهار، ومنه إفشاء السر، والمراد هنا نشر السلام بين الناس.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا" محمول على ظاهره وإطلاقه، فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنا، وإن لم يكن كامل الإيمان، وقوله صلى الله عليه وسلم "ولا تؤمنوا حتى تحابوا" معناه: لا يكمل إيمانكم، ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب. اهـ.
فحمل النووي لفظ الإيمان مرة على حقيقته وأصله، ومرة على مجازه وكماله، ليساير مذهب أهل السنة في المسألتين.
وحمل ابن الصلاح لفظ الإيمان على مجازه وكماله في المرتين، فقال: لا يكمل إيمانكم إلا بالتحاب، ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها [أي ابتداء من غير عقاب] إذا لم تكونوا كذلك. اهـ.
وإفشاء السلام قيل: واجب عيني على كلا المتلاقين، بمعنى أنه يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه، وقال الحافظ ابن حجر: لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين، لما في ذلك من الحرج والمشقة فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين، إذ لا قائل: يجب على واحد دون الباقين، ولا يجب السلام على واحد دون الباقين، وإذا سقط الوجوب على هذه الصورة لم يسقط الاستحباب. اهـ.
أي لا قائل: يجب ابتداء السلام من واحد معين دون فريقه، ولا قائل: يجب ابتداء السلام من فريق على واحد معين من فريق. وإذا سقط الوجوب على هذه الصورة من الخصوص بقي الاستحباب على العموم. فالكل يستحب له أن يسلم على الكل.