للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما صلاة الجنازة بالمسجد فقد استدل الحنفية بروايتنا الأولى والثانية على أنه لا يصلى على ميت في مسجد جماعة، وبه قال مالك، إذ في الحديث أنه أخبرهم بموت النجاشي في المسجد، وخرج بهم إلى المصلى للصلاة عليه هناك، وأجابوا عن حديث عائشة [الآتي برقم ١٠، ١١ من الباب التالي] باحتمال أن يكون قد صلى بالمسجد لعذر المطر أو الاعتكاف.

والشافعية والحنابلة على أن الصلاة على الميت في المسجد صحيحة جائزة لا كراهة فيها، إذا لم يخف تلويث المسجد، ورواياتنا العاشرة والحادية عشرة من الباب الآتي واضحة في الجواز وعدم الكراهة، وأجابوا عن أدلة المخالفين بأنه ليس فيها صيغة نهي، وباحتمال أن يكون خرج بهم إلى المصلى لأمر آخر بل الظاهر أنه خرج بهم إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذي يصلون عليه، وقالوا: إنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد على ابني بيضاء، فكيف يترك الصريح لأمر محتمل. والله أعلم.

وأما القيام للجنازة فيتصور في مكانين:

الأول: القيام لها إذا مرت على من ليس معها.

والثاني: قيام من كان معها إلى أن توضع.

أما الأول: فصريح الأحاديث الأمر بالقيام من حين يراها إلى أن تمر عليه وتغيب عنه، أو توضع عنده إن كان في المسجد مثلاً، وسواء في ذلك جنازة المسلم وجنازة غيره كما هو ظاهر من الرواية السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة، قال الحافظ ابن حجر: قال أكثر الصحابة والتابعين باستحباب القيام، كما نقله ابن المنذر، وهو قول أحمد، وقال بعض السلف: يجب القيام. اهـ.

وقال النووي: المشهور في مذهبنا أن القيام ليس مستحباً، وقالوا: هو منسوخ بحديث علي، [يشير إلى روايتنا الثالثة بعد العشرين وما بعدها وفيها "قام ثم قعد"، و"قام فقمنا، وقعد فقعدنا"] واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحب، وهذا هو المختار، فيكون الأمر به للندب، والقعود بياناً للجواز، ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا، لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث، ولم يتعذر. اهـ.

وإلى عدم الاستحباب والقول بالنسخ ذهب مالك وأبو حنيفة. وقال أحمد في رواية عنه وبعض المالكية: هو مخير.

وأما قيام من يشيعها عند القبر فقال جماعة من الصحابة والسلف: لا يقعد حتى توضع. وبه قال أحمد، وللشافعية ثلاثة أقوال:

أحدها: أن القيام للجنازة مكروه.

الثاني: أن المشيع بالخيار بين القيام والقعود.

الثالث: يستحب أن يقوم ولا يقعد حتى توضع. قال النووي: هذا هو المختار. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>