الشكل الثالث كالثاني لكن الشق يكون في جانب، لا في الوسط، في جانب مائل نحو الحائط بل تحت الحائط وهو ما يعرف باللحد.
بهذه الصورة البسيطة، وفي هذه الديار المتواضعة يرقد الجسد الذي عاش دنياه على الحرير، والجسد الذي افترش في دنياه التراب والغبراء، والتحف السماء، يرقد الجسد الذي ملك في دنياه القصور، والجسد الذي سكن الخربات والطرقات والخيام ومهدمات الدور.
كل ما سيأخذه الإنسان من سطح الأرض المتسع نصف متر في مترين، بل قد يشاركه في هذا الحيز آخرون على مر الزمان.
فهل من مدكر؟ إن لم نتعظ بالقول فها هي قبور الآباء والأجداد، شرع الله زيارتها، والاتعاظ بمن فيها، لقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقاً، ولم يبق معهم سوى عملهم، ونحن على الطريق سائرون، وإلى ما انتهوا إليه منتهون، فقط نحن مؤجلون، لكننا لا محالة لاحقون.
نزورهم إذا تذكرناهم، ونزورهم إذا ودعنا إليهم من لحقهم، فماذا نقول في زيارتنا لهم؟ راجين أن يقول لنا مثله من بعدنا إذا صرنا معهم؟ السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين نحن إلى غد مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية.
اللهم إنهم فارقوا من كانوا يحبون، وخرجوا من الدنيا وسعتها إلى ضيق القبر وعذابه. اللهم إنهم نزلوا بك وأنت خير منزول به، إن عاقبتهم فبذنبهم، وإن عفوت عنهم فأنت أهل العفو، وأنت غني عن عذابهم، وهم فقراء إلى رحمتك، اللهم من كان محسناً منهم فاشكر حسنته وزد في إحسانه، ومن كان مسيئاً فاغفر له وتجاوز عن سيئاته.
اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. واسبغ علينا وعليهم رحمتك يا أرحم الراحمين.
-[المباحث العربية]-
(الحدوا لي لحداً، وانصبوا على اللبن نصباً) أصل الإلحاد: الميل والعدول عن الشيء، واللحد هنا بفتح اللام وضمها: هو الشق في الأرض على قدر الميت طولاً وعرضاً من غير تضييق، وبعمق يسمح بنصب لبنات عليه تغطيه على هيئة القبو، أو لبنات طوال تغطي عرضه بميل من أحد جانبيه إلى الآخر، كما يسمح العمق بعد ذلك بتغطية اللبنات بكمية من التراب تمنع خروج الريح أو الهوام وسمى هذا الشق لحداً لأنه يعمل في جانب القبر مائلاً عن وسطه.
وفعل "الحدوا" هنا فعل أمر، مبدوء بهمزة وصل مع فتح الحاء، أو همزة قطع مع كسر الحاء.
(فأمر .... بقبره فسوى) بضم السين وكسر الواو المشددة، أي جعل مستوياً مع الأرض.