ثالثتها: قال النووي: يجب وضع الميت في القبر مستقبل القبلة. وقيل: استقبال القبلة به مستحب ليس بواجب. قال: والصحيح الأول. واتفقوا على أنه يستحب أن يضطجع على جنبه الأيمن. فلو اضطجع على الأيسر مستقبل القبلة جاز، وكان خلاف الأفضل.
رابعتها: يستحب أن يوسد رأسه لبنة أو حجراً ونحوهما، ويفضي بخده الأيمن إلى اللبنة ونحوها أو إلى التراب، ومعناه أن ينحى الكفن عن خده ويوضع على التراب، ويستحب أن يجعل خلفه شيئاً من لبن أو غيره يسنده ويمنعه من أن يقع على قفاه، ويكره أن يجعل تحته مخدة أو ثوب، أو يجعل في تابوت إلا إذا كانت الأرض ندية فلا يكره.
وقد شذ من قال: لا بأس أن يبسط تحت جبينه شيء مستدلاً بروايتنا الثانية وفيها يقول ابن عباس: "جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء".
قال النووي: وقد أجابوا عن ذلك بأنه لم يكن ذلك الفعل صادراً من جملة الصحابة ولا برضاهم ولا بعلمهم، وإنما فعله شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
خامستها: يستحب لكل من على القبر أن يمكث بعد الدفن زمناً يدعو للميت ويستغفر له.
فقد روى مسلم وصية عمرو بن العاص حين حضرته الوفاة -وقد سبق في كتاب الإيمان- قال:"فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع رسل ربي". وقال بعض الشافعية: يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، واستحبوا قراءة أول سورة البقرة وآخرها. وقد روى أبو داود والبيهقي بإسناد جيد عن عثمان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل يقف عليه، وقال:"استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل".
النقطة الثالثة زيارة القبور: والروايات الثانية عشرة وما بعدها تدل على استحبابها، والدعاء لأهلها والترحم عليهم، قال النووي: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب للرجال زيارة القبور، وهو قول العلماء ودليله مع الإجماع الأحاديث الصحيحة المشهورة، وكانت زيارتها منهياً عنها أولاً، ثم نسخ، ثبت في صحيح مسلم عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" -روايتنا السابعة عشرة- زاد أحمد:"ولا تقولوا هجراً". وكان النهي أولاً لقرب عهدهم من الجاهلية، فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهدت أحكامه واشتهرت معالمه أبيح لهم الزيارة. ثم قال: قال أصحابنا: ويستحب للزائر أن يدنو من القبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حياً وزاره.
وأما النساء فالذي قطع به الجمهور أنها مكروهة لهن كراهة تنزيه. وقال بعض المحققين: إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والتعديد والبكاء والنوح على ما جرت من عادتهن حرم. قال: وعليه يحمل حديث: "لعن الله زوارات القبور" رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وإن كانت