ويستدلون بما رواه أبو داود والترمذي والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الكرم أنها تخرص كما يخرص النخل، فتؤدى زكاته زبيباً كما تؤدى زكاة النخل تمراً".
قالوا: ولأن ثمرة النخل والكرم تعظم منفعتهما، لأنهما من الأقوات والأموال المدخرة المقتاتة وتجب الزكاة في الزروع عند الشافعية في كل ما يقتات به عادة وفي غير الضرورة كالحنطة والشعير والدخن والذرة والأرز والعدس واللوبيا والحمص والباقلا، ولا تجب في الكمون والكراويا والكزبرة والسمسم وبذر القطن وبذر الكتان وبذر الفجل وغير ذلك مما يشبهه، كما لا تجب في الخضراوات والبقول والقثاء والبطيخ ونحوها.
قال النووي: وبهذا كله قال مالك وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة وزفر: يجب العشر في كل ما أخرجته الأرض إلا الحطب والقصب الفارسي والحشيش الذي ينبت بنفسه.
قال العبدري: وقال الثوري وابن أبي ليلى: ليس في شيء من الزروع زكاة إلا التمر والزبيب والحنطة والشعير. وقال أحمد: يجب العشر في كل ما يكال ويدخر من الزرع والثمار، فأما ما لا يكال كالقثاء والبصل والخيار والبطيخ والرياحين وجميع البقول فليس فيها زكاة.
وقال داود: ما أنبتته الأرض ضربان: موسق، وغير موسق، فما كان موسقاً وجبت الزكاة فيما بلغ منه خمسة أوسق، ولا زكاة فيما دونها، وما كان غير موسق ففي قليله وكثيره الزكاة فتحصل من هذا:
١ - وجوب الزكاة في النخل والعنب والحنطة والشعير عند الجميع.
٢ - يضيف الشافعية والمالكية وأبو يوسف ومحمد إلى ما سبق كل ما يقتات به عادة ويدخر من الحبوب كالأرز والذرة والحمص.
٣ - يعمم الإمام أحمد الزكاة في كل ما يكال ويدخر من الزروع والثمار.
٤ - يستقل أبو حنيفة بالقول بوجوب الزكاة في جميع الثمار، وفي الخضراوات، ويشاركه في ذلك داود الظاهري ولا يوافقه الشافعية والمالكية والحنابلة.
وقد حاول بعض العلماء ترجيح مذهب أبي حنيفة باعتباره أنفع للفقير، وهذا الاعتبار مردود، لأن المشرع أعلم بالفقير وأرحم به من كل المخلوقات، فالاعتبار للشرع أولاً، ولا اعتبار لشيء ورد الشرع بخلافه.
والغريب أنه قال عن حديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة". إنه ضعيف مع أنه في الصحيحين متفق عليه.
إن مذهب أبي حنيفة يعوزه الدليل، بل هو مخالف للدليل الشرعي، فقد روى البيهقي حديث معاذ عن الخضر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عنها. قال النووي: ورواه الترمذي مختصراً: أن معاذاً كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول، فقال: "ليس فيها شيء". قال الترمذي: ليس إسناده بصحيح. قال: وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل