للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويمكن الرفع على الرواية الأولى على أنه بدل من "شيء" أي لا يغيضها الليل والنهار، والنصب على الظرفية، وفاعل "يغيضها" على الرواية الثانية ضمير يعود على المفهوم من المقام، أي لا يغيضها الإنفاق في الليل والنهار، والمراد من ذكر الليل والنهار الدوام وشمول جميع الأزمنة، وتقديم الليل على النهار للإشارة إلى أنهما عنده سواء فهو جل شأنه لا تأخذه سنة ولا نوم.

(أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض؟ ) "أرأيتم" معناها أخبروني، عن طريق المجاز المرسل في الهمزة، إذ المراد منها مطلق الطلب من أصل معناها وهو طلب الفهم، والمجاز المرسل في الرؤية بإرادة ما يتسبب عنها غالباً من الإخبار عما رأى، فالعلاقة في الأول الإطلاق بعد التقييد وفي الثاني ذكر السبب، فآل الأمر إلى طلب الإخبار المدلول عليه بلفظ "أخبروني" و"ما" استفهامية، والمعنى أخبروني عن جواب هذا الاستفهام ماذا أنفق على عباده؟ وكم أعطاهم منذ خلق السموات والأرض حتى اليوم؟ والجواب: كثير لا يحصى، فرتب عليه هذا الكثير لم ينقص ما كان وما هو في يمينه.

(فإنه لم يغض ما في يمينه) ضمير اسم "إن" للإنفاق الكثير المفهوم من إنفاقه مذ خلق السماء والأرض، وفاعل "يغض" ضميره أيضاً على أنه متعد، أو لفظ "ما" الموصول في "ما في يمينه" على أنه لازم، والفاء فصيحة في جواب شرط مقدر، أي إذا كان قد أنفق الكثير والكثير مذ خلق السموات والأرض ويمينه دائماً ملأى فإن هذا الإنفاق لم ينقص ما في يمينه.

(قال: وعرشه على الماء) الظاهر أن موقع هذه الجملة بعد قوله "مذ خلق السماء والأرض" أي مذ لم يكن سماء ولا أرض ومذ خلقتا.

(وبيده الأخرى القبض) لا يطلق على الأخرى شمال كما في المخلوقات، فكلتا يديه -جل شأنه- يمين، قال النووي: "القبض" ضبطوه بوجهين، أحدهما: بالفاء بعدها ياء. والثاني بالقاف والباء. قال القاضي: وهو الموجود لأكثر الرواة، وهو الأشهر والمعروف، قال: ومعنى "القبض" الموت، وأما "الفيض" بالفاء فالإحسان والعطاء والرزق الواسع، قال: وقد يكون بمعنى "القبض" بالقاف، أي الموت، يقولون: فاضت نفسه إذا مات. اهـ والمناسب في الحديث تفسير القبض بإهلاك ما أعطى وسلبه، لتتم المقابلة. كما في قوله تعالى: {والله يقبض ويبسط} [البقرة: ٢٤٥].

(يرفع ويخفض) قال النووي: جاء في رواية أخرى "وبيده الميزان يخفض ويرفع" فقد يكون عبارة عن الرزق ومقاديره، وقد يكون عبارة عن جملة المقادير، فتقدير الرزق يقتره على من يشاء، ويوسعه على من يشاء، وجملة المقادير عبارة عن التصرف بالخلق، يعز ويذل. اهـ والأولى جملة المقادير، وعموم الرفع والخفض، ويدخل الرفع والخفض بالرزق دخولاً أولياً. وهذا الحديث مما يقال فيه: متشابه الصفات، ونحن نذكر بعض ما قيل فيه، ثم نعقب:

قال الإمام المازري: هذا مما يتأول، لأن اليمين إذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها الباري سبحانه وتعالى، لأنها تتضمن إثبات الشمال، وهذا يتضمن التحديد، ويتقدس الله سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>