عن التجسيم والحد. وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه، وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق، ولا يمسك خشية الإملاق، جل الله عن ذلك، وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بسح اليمين، لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه. قال: ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى على الأشياء على وجه واحد، لا يختلف ضعفاً وقوة، وأن المقدرات تقع بها على جهة واحدة، ولا تختلف قوة وضعفاً كما يختلف فعلنا باليمين والشمال، تعالى الله عن صفات المخلوقين، ومشابهة المحدثين. وأما قوله:"وبيده الأخرى القبض" فمعناه أنه وإن كانت قدرته سبحانه وتعالى واحدة فإنه يفعل بها المختلفات، ولما كان ذلك فينا لا يمكن إلا بيدين عبر عن قدرته على التصرف في ذلك باليدين ليفهم المعنى المراد بما اعتادوه من الخطاب على سبيل المجاز. هذا آخر كلام المازري، نقله النووي واقتصر عليه.
وقال القاضي عياض ما حاصله: لما كان الشيء الطيب المحبوب يوضع في اليمين، ولما كان العطاء يتم باليمين عبر بها، وليس المراد الجارحة.
وقال الزين بن المنير: ما مؤداه أنه كناية لتثبيت المعاني المعقولة من الأذهان وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات، أي لا يتشكك في الكثرة كما لا يتشكك فيمن يمينه ممتلئة لا تنقص، لا أن الامتلاء كالامتلاء المعهود، ولا أن الممتلئ جارحة.
وقال الترمذي في جامعه: قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: نؤمن بهذه الأحاديث، ولا نتوهم فيها تشبيهاً، ولا نقول: كيف؟ هكذا روى عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم. اهـ.
وما قاله الترمذي أسلم وأدخل في الإيمان بالله وصفاته، والمشاركة بين الخالق والمخلوق في الاسم لا تستلزم المشاركة في كنه المسمى ومستلزماته، فنحن لنا علم وإرادة وقدرة ووجود وحياة، ولكنها تختلف اختلافاً كلياً عنها في الباري سبحانه وتعالى، فهي لا تكاد تشترك معها في غير الاسم، ولا تقاس صفات الباري على صفاتنا، فيقال مثلاً: اليمين تقتضي جهة وحدوداً وحيزاً إلخ، فهذا كله في المخلوق ولا يقاس عليه الغائب. تعالى الله عن ذلك، والدخول في ذلك دخول في تصور الخالق ومحاولة لتصور ما لا يدخل في تصورنا، فالإمساك واجب، والسؤال عنه بدعة مردودة، وعلينا الإيمان به كما ورد. والله أعلم.
الرواية (٣، ٤، ٥، ٦، ٧)
(أفضل دينار ينفقه الرجل دينار .... ودينار .... ودينار) مشاركة الثلاثة في الأفضلية لا تمنع أن يكون بعضها أفضل من بعض، والمفاضلة بينها واضحة في الرواية الرابعة، وقد فهم أبو قلابة أفضلية الأول على أخويه في الرواية الثالثة -ربما من التقديم- فقال ما قال.
(وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم) عن الحاجة وعن السؤال وعن الانحراف، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا رجل أعظم، والوصف بالصغار لتأكيد معنى العالة.